لماذا يصمت العالم تجاه الإنتهاكات البشعة ضد «مُسلمي بورما؟!»..تقرير
أزمة مسلمي الروهينجا ليست وليدة الأعوام الأخيرة، ولكنها ظهرت على السطح بفضل حملات التضامن التي شنها النشطاء الحقوقيون حول العالم عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد تزايد جرائم ضد البشرية ترتكب ضد هذه الأقلية مسلمة في بلد بوذي يغرق في الفقر والجهل والديكتاتورية في ذيل قارة أسيا.
الروهينجا
يوصف مسلمي الروهينجا، والبلغ عددهم مليون نسمة (15% من عدد السكان) ويتمركزون في ولاية راخين الساحلية، بأنهم أتعس الشعوب في العالم، فقد وصفت متحدثة باسم الأمم المتحدة وضع الروهينجا في عام 2009 بأنهم، على ما يحتمل، «أكثر شعب بلا أصدقاء في العالم».
وصل المسلمون دلتا نهر إيراوادي في بورما على ساحل تانينثاري، وولاية أراكان، في القرن السابع الميلادي، إبان عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد، وقد أسسوا إمارة أراكان التي استمر الحكم الإسلامي فيها نحو ثلاثة قرون، منذ عام 1430م وحتى عام 1784م، دخل خلالها الكثير من السكان المحليين في الدين الإسلامي، إلى أن احتل البوذيون أراكان عام 1784 وقاموا بضمها إلى بورما، ومنذ ذلك التاريخ بدأت أولى حلقات العنف المتبادل بين المسلمين والبوذيين، والتي استمرت حتى احتلال بورما من بريطانيا عام 1824
دولة ميانمار (بورما سابقا)
تقع دولة ميانمار في جنوب شرقي آسيا، بين بنجلاديش وتايلاند، وتبلغ مساحتها حوالي 676،578 كم2، ويبلغ عدد سكانها حوالي 54،584,650 نسمة، وعاصمتها رانجون ولغتها الرسمية هي البورمية. وكانت تلك الدولة جزءًا من الهند إلى أن قامت بريطانيا بإعلانها مستعمرة بريطانية منفصلة عام 1937 حتى استقلت عن التاج البريطاني عام 1948.
وميانمار دولة متعددة العرقيات إذا تضم أكثر من 140 عرقية، أهمها البورمان 68%، والشان 9%، والكارين 7%، والراخين (مسلمو الروهينجا) 4%، والصينيون 3%، والهنود 2%، المون 2%، بالإضافة إلى عرقيات أخرى تبلغ نسبتها نحو 5%.
خضعت ميانمار لفترة طويلة للحكم العسكري القمعي الذي امتد بين عامي 1962 و2011، يبلع عدد سكانها أكثر من 50 مليون نسمة، يهيمن العرق الأكبر وهو شعب «بامار» بنسبة 40% بعدد 48.7 مليون نسمة وسط العديد من الأقليات الأخرى المضطهدة والتي أدت إلى العديد من المواجهات المسلحة بين شعب «بامار» البوذي وهذة الأقليات حتى تم التوصل إلى مسودة وقف إطلاق النار عام 2015.
ويعد الروهينجا المسلمة الأقلية الأكثر اضطهادا في بورما حيث ينص القانون البورمي حول الجنسية الصادر في 1982 على انه وحدها المجموعات الأتنية التي تثبت وجودها على الأراضي البورمية قبل 1823 (قبل الحرب الأولى الانجليزية-البورمية التي أدت إلى الاستعمار) يمكنها الحصول على الجنسية البورمية، لذلك حرم هذا القانون الروهينجا من الحصول على الجنسية، رغم أن الإسلام وصل إلى بورما في القرن السابع الميلادي.
تريخ طويل من الأضظهاد:
ففي أوائل الستينيات وعقب الانقلاب العسكري آنذاك، هاجر مئات الآلاف من الروهينجا إلى بنجلاديش. وفى نهاية السبعينيات غادر من إقليم «راخين» أكثر من نصف مليون شخص، مات منهم قرابة 40 ألف شخص غالبيتهم من الشيوخ والنساء والأطفال حسب إحصائية وكالة (غوث اللاجئين) التابعة للأمم المتحدة.
وفى نهاية الثمانينيات تم تهجير أكثر من 150 ألف شخص، بسبب بناء قرى نموذجية للبوذيين ضمن مخطط للتغيير الديموجرافي. وعقب إلغاء نتائج الانتخابات العامة التي فازت فيها المعارضة بأغلبية ساحقة في بداية التسعينيات تم طرد نحو نصف مليون شخص، انتقامًا من المسلمين لأنهم صوتوا مع معظم أهل البلاد لصالح المعارضة، حسبما أفاد اتحاد روهنجيا أراكان والمركز الروهينجى العالمى.
في عام 2001 كانت بداية موجة منظمة من أحداث العنف والقتل بحق المسلمين في كل مدن بورما، على خلفية أحداث 11 سبتمبر بالولايات المتحدة الأمريكية، وقد استولى البوذيون بدعم من الجيش على الكثير من ممتلكات وأراضي المسلمين.
وفي 2012 أعلن الرئيس البورمى ثين أن الحل الوحيد المتاح لأفراد أقلية الروهينجا المسلمة غير المعترف بها، يقضى بتجميعهم في معسكرات لاجئين أو طردهم من البلاد، لأنهم «ليسوا في عداد المواطنين» الذين يعترف بها النظام ولأنهم مهاجرون بنغاليون غير شرعيين، وأنه يجب «إبلاغ العالم أن الروهينجيا ليسوا أبدًا جزء من المجموعات الإثنية في بورما».
وفي 2014 تجدد الاعتداءات ضد لروهينجا بعد اتهام مسلمين بقتل سيدة بوذية، أعقبها عمليات قتل واسعة لهم بحسب مصادر حقوقية وصل عدد قتلى المسلمين في بورما إلى 20 ألفًا، مما دفع الباقيين للفرار واللجوء إلى بنجلاديش المجاورة وحتى تايلاند. فر الكثيرون في قوارب مكتظة وغرق منهم من غرق، ومن وصل يعيشون كلاجئين في ظروف شديدة القسوة في مخيمات في بنغلاديش المجاورة وعدة مناطق داخل تايلاند على الحدود مع بورما.
وفي اكتوبر 2016 سجلت حملة عنف جديدة حين شن الجيش البورمي عملية اثر مهاجمة مسلحين مراكز حدودية في شمال ولاية راخين. واتهمت قوات الأمن بارتكاب الكثير من الجرائم ووفر عشرات آلاف المدنيين من قراهم.
ظهر ما يسمي بـ «جيش أراكان لانقاذ الروهينجا»خلال الأشهر لأخيرة وشن هجمات ضد مراكز الشرطة البورمية بأسلحة بدائية في الغالب بسيوف وسكاكين. يطالبون باحترام حقوق الروهينجا.
أما الأحداث الأخيرة فقد تجددت بعدما قام عدد من مسلحي «جيش خلاص أراكان» بشن هجمات ضد مراكز الشرطة والجيش البورمي في أغسطس الماضي فتبعه هجمات انتقامية واسعة وصلت إلى حد حرق المنازل عن طريق قنبل حارقة ألقتها مروحيات على منازل المسلمين حسبما أفاد مراسل «نيويورك تايمز» في تقرير له، الإثنين.
الرئيسة الحالية لميانمار هي الناشظة الحقوقية الحاصلة على جائزة نوبل أونج سان سو كي، والتي عانت من الأصظهاد قبل أن تصبح رئيسة للبلاد في 2012، ويطالب العديد من النشطاء سحب الجائزة الدولية منها بسبب صمته عن الجرائم التي ترتكب ضد مسلمي بلادها.
يذكر أن مشادة حدثثت بينا وبين مذيعة «بي بي سي» في 2013، عندما كانت سوكي، زعيمة الرابطة الوطنية للديمقراطية في ميانمار، عندما طلبت منها المذيعة مراراً وتكراراً إدانة المشاعر المعادية للإسلام وموجة المذابح الموجهة ضد المسلمين في ميانمار، وامتنعت سو كي عن الرد قائلة: «أعتقد أن هناك العديد والعديد من البوذيين الذين أيضاً غادروا البلاد لمختلف الأسباب»، مضيفة «هذا نتيجة لمعاناتنا في ظل نظام ديكتاتوري».
وقد أثار موقف سو كي والتي أمضت 15 عاماً قيد الإقامة الجبرية في بورما، الغامض تجاه العنف الذي تتعرض له الأقلية المسلمة في بلادها قلق معظم مؤيديها، إلا أنه يعتقد أنها لا تريد أن تنفر الأغلبية البوذية منها بتعاطفها مع الروهينجا المسلمين والذين يتحملون العبء الأكبر من العنف.