أجراس الكرامة!
بقلم: العميد محمد سمير
اسمحوا لى أن أنقل هنا قصة ربما قرأها البعض فى بعض الكتب أو مواقع التواصل الإجتماعي، لأنها درس مهم فى الكرامة، وهى أغلى وأثمن ما يملكه أى إنسان.. تقول القصة:
أثناء وجود الاستعمار البريطاني في الهند، حدث أن ضابطًا بريطانيًا صفع مواطنًا هنديًا على وجهه، فكانت ردة فعل المواطن الهندي أن صفع الضابط بكل ما يملك من قوة وأسقطه أرضًا.
ومن هول الصدمة المذلة انسحب الضابط من المكان وهو يتعجب كيف تجرأ مواطن هندي على صفع ضابط في جيش امبراطورية لا تغيب عنها الشمس، واتجه إلى مركز قيادته ليحدثهم بما حصل، ويطلب المساعدة لمعاقبة هذا المواطن الذي ارتكب جرمًا لا يغتفر من وجهة نظر هذا الضابط.
لكن القائد الكبير هدأ من روعه، وأخذه إلى مكتبه، وفتح خزينة ممتلئة بالنقود وقال للضابط:
خذ من الخزينة خمسون الف روبية، واذهب إلى المواطن الهندي واعتذر له على ما بدر منك، وأعطه هذه النقود مقابل صفعك له.
جن جنون الضابط وقال مستنكرًا:
أنا من له الحق في صفعه وإذلاله، لقد صفعني وهو لا يملك الحق، هذه إهانة كبيرة لي، ولك، ولجيش صاحبة الجلالة، بل إهانه لصاحبة الجلالة نفسها.
قال الضابط الكبير للضابط الصغير:
اعتبر هذا أمرًا عسكريًا وعليك تنفيذه دون نقاش.. امتثل الضابط لأوامر قائده، وأخذ المبلغ وذهب إلى المواطن الهندي وعندما عثر عليه قال له:
– ارجو أن تقبل اعتذاري، لقد صفعتك ورددت لي الصفعة، وأصبحنا متساويين، وهذه خمسون الف روبية هدية مع اعتذاري لك.
قبل المواطن الهندي الإعتذار والهدية ونسي انه صُفع على تراب وطنه من مستعمر يحتل أرضه.
كانت الخمسون الف روبية في تلك الفترة تعتبر ثروة طائلة، اشترى المواطن الهندي بجزء من المبلغ منزلًا، وجزء احتفظ به، وجزء اشترى به "ركشة"، (الركشة وسيلة نقل أجرة بثلاث عجلات يستخدمها الهنود في تنقلاتهم وهى تشبه التوكتوك)، واستثمر جزء في التجارة، وفي وسائل النقل، وتحسنت ظروفه، واصبح مع مرور الوقت من كبار رجال الأعمال، ونسي الصفعة، لكن الإنجليز لم ينسوا صفعة الهندي للضابط.
وبعد فتره من الزمن استدعى القائد الإنجليزي الضابط الذي صُفع وقال له:
– أتذكر المواطن الهندي الذي صفعك؟.
قال الضابط: كيف أنسى؟؟!!.
قال القائد: حان الوقت لتذهب وتبحث عنه وبدون مقدمات اصفعه أمام أكبر حشد من الناس.
قال الضابط: لقد رد الصفعة وهو لا يملك شيئًا، أما اليوم وقد اصبح من رجال الأعمال وله أنصار وحراس، فهو لن يصفعني فقط بل سيقتلني.
قال القائد: لن يقتلك، اذهب ونفذ الأمر بدون نقاش.
امتثل الضابط لأوامر قائده وذهب إلى حيث الهندي، كان حوله أنصاره وخدمه وحراسه وجمع من الناس، فرفع يده وبكل ما يملك من قوة صفع المواطن الهندي على وجهه حتى أسقطه أرضًا.
لم تبدر منه أي ردة فعل، حتى أنه لم يجرؤ على رفع نظره في وجه الضابط الإنجليزي.
اندهش الضابط وعاد مسرعًا إلى قائده.
قال القائد للضابط:
إني أرى على وجهك علامات الدهشة والاستغراب؟؟.
قال: نعم في المرة الأولى رد الصفعة بأقوى منها، وهو فقير ووحيد، واليوم وهو يملك من القوة ما لا يملك غيره لم يجرؤ على قول كلمة فكيف هذا؟.
قال القائد الانجليزي:
في المرة الأولى كان لا يملك إلا كرامته ويراها أغلى ما يملك فدافع عنها..
أما في المرة الثانية وبعد ان باع كرامته بخمسين ألف روبية فهو لن يدافع عنها.. فلديه الآن ماهو أهم منها.
حافظ على كرامتك دائمًا يا صديقي لأنها عزك وشرفك وروحك التى لا تنطفئ.. ولا تساوم عليها أبدًا مهما كانت المغريات أو الصعوبات.
يقول "عمر المختار":
"كن عزيزًأ وإياك أن تنحني مهما كان الأمر ضروريًا، فربما لا تأتيك الفرصة لكى ترفع رأسك مرة أخرى".
ويقول "جبران خليل جبران":
"الوقاحة هى أن تنسى فعلك، وتحاسبني على ردة فعلى".
واحرص كذلك يا صديقي على ألا تمس أبدًا كرامة من يهمك أمرهم من ذويك ومحبيك حتى لا تفقدهم إلى غير رجعة لأن الحكمة الخالدة تقول:
"حين تدق فى القلب أجراس الكرامة، فإن كل المشاعر مجبورة أن تموت".
نقلًا عن فيتو