راديو

رئيس مجلس الإدارة
منال أيوب

رئيس التحرير
محمد الاصمعي

نسخة تجريبية

أحمد فوزي سالم يكتب الإخوان والسيسي.. من يكسب الرهان علي ترامب

أهداف معلنة، وأخرى لم يتم الحديث عنها لوسائل الإعلام، أو بالأحرى تُركت للغرف المغلقة، وعلى رأسها تصنيف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية في أمريكا، تمهيدًا لبترها من تاريخ العالم، هكذا يرغب السيسي من لقائه بـ«ترامب»، بينما استعدت الإخوان بشكل استباقي للزيارة، وجهزت دفوعًا مشفوعة بنجاحها في تغيير موقف الحكومة البريطانية منها.. ليطرح السؤال نفسه: من يكسب الرهان على ترامب؟

أولا: ماذا جهز الوفد المصري لـ«الإخوان»؟
لا تقف الزيارة المصرية، إلى معقل ترامب في البيت الأبيض بالطبع على الإخوان المسلمين، ولكن هناك العديد من التفاهمات الاقتصادية والسياسية، والترتيبات الإقليمية، وخاصة ما يتعلق بأخطر ملفات المنطقة «الإرهاب» إلى جانب بحث كيفيات تسوية الصراع في سوريا وليبيا، إلا أن الضغط المكثف على دونالد ترامب، لتنفيذ وعوده بتصنيف الإخوان جماعة إرهابية، كان محور لقاءات الوفد المرافق للسيسي، مع صقور الإدارة الأمريكية.

وعلى مدار الشهر الماضي، وفي إطار الاستعداد للزيارة، لم يكن هناك شاغل، للوفد المرافق للسيسي، إلا الحديث عن تفاصيل التواصل مع نواب الكونجرس، وخاصة الداعمين لمشروع القانون، الذي تقدم به النائب الجمهوري «تيد كروز» وآخرون، لتصنيف الإخوان جماعة إرهابية، وبدا من تلك التصريحات أن النظام المصري، يبذل جهودًا جبارة، لجعل إدراج الإخوان على لائحة الإرهاب، قضية محورية للعالم، وليس لمصر وحدها.

ويحمل الوفد المصري معه، حسب تصريحات العديد من النواب، الذين زاروا الولايات المتحدة من قبل، العديد من الأفلام المصورة، والوثائق التي تثبت تبعية بعض جماعات العنف للإخوان، وخاصة الإصدارات الأخيرة لحركات لواء الثورة وحسم وغيرها، والتي كشفت عن انضمام عناصر من الإخوان، كانت الجماعة طالبت في بيانات رسمية بالكشف عن مصير بعضهم، مثل عبد الله هلال ورجب علي، واتهمت النظام الحاكم، بإخفائهم قسرا دون ذنب اقترفوه، لتكشف الفيديوهات المصورة فيما بعد، انضمامهم فعليًا لحركات العنف الإرهابية.

كما يستند النظام المصري إلى «الكيمياء» التي تجمع السيسي بترامب، وجملة التفاهمات في الكثير من القضايا، وتشابه الأولويات بينهما، على رأسها محاربة الإرهاب، والرغبة العارمة في استئصال تيارات الإسلام السياسي، وخاصة الراديكالية منها.

ثانيًا: كيف تتصدى الجماعة لمحاولات تصنيفها «إرهابية»؟
تمتلك الإخوان ميزة نسبية في أمريكا، رغم كل المخاطر التي تحاك بها، حال إقدام إدارة ترامب على تصنيفها جماعة إرهابية، وهي أنها لا تمتلك تنظيمًا داخل الولايات المتحدة؛ مما يوفر لها نوعًا من الهدوء في كيفية تجهيز رد حاسم وقوي، ينفي انتهاجها ممارسات إرهابية حسبما تقول دائمًا، دون ضغوط داخلية من التنظيم المحلي، مثلما هو الحال في بعض البلدان العربية والأجنبية، والتي اضطرت أذرع الجماعة بها، مع الضغوط الشديدة، لإعلان انسلاخها عن الإخوان، أو إنكار تبعيتها لها من الأساس .

ورغم تأكيد العديد من المصادر المتخصصة في شئون الإسلام السياسي، عن تبعية مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية «كير» ومؤسستي «إسنا ـ إكنا» ومنظمة الوقف الإسلامي بالولايات المتحدة للإخوان، إلا أن الواقع يؤكد أنه لا علاقة لهذه المنظمات بالإخوان، ولا توجد روابط تنظيمية بينهم.

وتلاحق الإخوان الزمن، سواء بعد وصول ترامب إلى السلطة، أو خلال الأسابيع الأخيرة، وقبل زيارة السيسي لأمريكا، لإعداد رد شامل، على ما تسميه «إدعاءات النظام المصري» بشأن انتهاجها للعنف، وقامت بالفعل بإرسالها مذكرة تفصيلية إلى صقور الإدارة الأمريكية، ودوائر صنع القرار التشريعي والتنفيذي.

وحصنت الإخوان المذكرة المزعومة، بكل دفوعها، حتي تستطيع صد الاتهامات الموجهة للجماعة، واعتبرتها «الوثيقة الرسمية» المعتمدة للإدارة الفعلية للإخوان حاليًا، وهي جبهة القيادات التاريخية، للرد على مثل هذا النوع من الاتهامات لاحقًا بحقها، في أي من بلدان العالم.

وكانت المذكرة التي أعدها «مكتب محاماة ومركز دراسات» حققت نجاحًا ملحوظًا في بريطانيا، بعدما أرسلها الإخوان إلي بعض الجهات الرسمية في لندن، باعتبارها ردًا موثقًا منها، على اتهامها بـ«العنف والإرهاب» مما أدى إلى تجميد التحقيق، وتحول موقف الحكومة البريطانية الجديدة، عن تبني موقف حكومة ديفيد كاميرون التي سبقتها، وباتت تعتبر الإخوان جماعة سلمية، وليست مسئولة عن تيار العنف داخلها.

محاور مذكرة الدفاع عن الجماعة
وتشمل المذكرة الموجهة إلى الولايات المتحدة، والتي تقع في 62 صفحة، 5 محاور قانونية وتاريخية وسياسية، الأول يتعلق بتصنيف الإخوان، جماعة إرهابية في سوريا ومصر والسعودية والإمارات وروسيا، وأرجعت فيه السبب الحقيقي لإدراجها على لائحة الإرهاب في روسيا إلى دعمها لمسلمي البوسنة والهرسك خلال الحرب الصربية، في منتصف التسعينات، بينما أكدت أن عداء الإمارات والسعودية لها، يقف وراءه خوف البلدين من تصدير ثورات الربيع العربي إليهما، لاسيما وأن الإخوان كانت عضوًا فاعلاً ومؤثرًا في إنجاح الثورات.

أما عن حظرها في مصر وسوريا، أوضحت الإخوان أن نظامي «بشار والسيسي» يعتمدان على شرعية «الانقلابات العسكرية» وهو ما يعارض نهجها السياسي، ولهذا يكيل لها النظامان كافة الاتهامات التي لا تمت للواقع بصلة.

وأفردت الجماعة محور المذكرة الثاني، عن نشأتها في مصر منذ عام 1928 وتشعبها في أنحاء العالم، واجتهدت في هذا البند على تأكيد قانونية انطلاقها، لاسيما وأن هناك جمعيات إسلامية ومسيحية نشأت بخلفيات دينية، خلال نفس حقبة العشرينات من القرن الماضي، إضافة إلى تقديمها ما يثبت قانونية تدشين فروع للجماعة خارج مصر.

بينما اشتمل المحور الثالث على دفاع الجماعة عن «مبادئها الدينية» وفي القلب منها «الجهاد» ومفهومه لديها، الذي لا يخرج عن مفهوم الحرب المتعارف عليها، وحق الدفاع الشرعي عن النفس، استنادًا للقانون الدولي الإنساني وميثاق الأمم المتحدة، وأكدت الجماعة أن مؤسسها حسن البنا، أسس لمفهوم «الجهاد الدستوري» عبر اعتماد الانتخابات آلية للتغيير.

بينما فند المحور الرابع، ما أثير عن تبعية قادة القاعدة للإخوان، واستندت الجماعة إلى وثائق مصورة تثبت تكفيرها من قادة القاعدة، وعلى رأسهم أيمن الظواهري، كما قدمت دلائل على أنها بأكملها في نظر تنظيم الدولة ــ داعش ــ «جماعة كافرة»، لتنتقل بعد ذلك من مربع الدفاع، إلى الهجوم الكاسح، متهمة القائمين على مشروع إدراجها على لوائح الإرهاب، بتعمد إخفاء حقائق لا يمكن أن تقبل الجدل.

وأفردت الإخوان المحور الخامس في مذكرتها، للرد على اتهامها بارتكاب جرائم عنف ضد الحكومة المصرية، خلال عام 2015، ولجأت إلى استخدام ورقة الانشقاقات الدائرة بداخلها، لتثبت أنها ليست جماعة أو تنظيمًا واحدًا، سواء داخل مصر، أو خارجها .

كما كدت «وثيقة الإخوان» أن ما يجمعها بأجنحتها في الخارج، ليس إلا مشتركات فكرية وثقافية، ونفت وجود أي إﻃﺎﺭ تنظيمي يجمعها بأذرعها خارج مصر، وأشارت إلى أن سعيها لإقامة حياة ديمقراطية، هو سبب محاربة الأنظمة العربية المستبدة لها، حسب وصفها.

كما أنكرت الإخوان، في آخر محاور المذكرة الدفاعية، القيام بالأعمال الإرهابية المنسوبة إليها، وزادت باتهام نظام السيسي بارتكاب جرائم في حق الجماعة وأفرادها برابعة العدوية ومسجد الفتح، مبررة بذلك ما جاء في بيان «نداء الكنانة» الذي صدر عام 2015 وأثار جدلاً كبيرًا، وكان مصدرًا لقلق الداخل والخارج، عن انحدار الجماعة إلى مزالق العنف في خلافها مع النظام الحاكم.

كما حصنت الإخوان مذكرتها، بمجموعة من أدبيات الجماعة، التي تدعو إلى السلمية في الفكر والسلوك، من خلال التركيز على ومضات من تاريخها في التعامل مع الطوائف الدينية الأخرى، بالإضافة إلى بيان الجماعة من تفجيرات 11 سبتمبر 2001 ، ثم الرد على حوادث القتل في تاريخها، التي اعتبرتها مجرد «حوادث فردية».

اللافت في مذكرة الإخوان، استخدامها السجل الحقوقي لمصر، خلال العامين الماضيين تحديدًا، وبيانات المنظمات الحقوقية البعيدة عنها، في توضيح اعتماد النظام على سياسة الاعتقالات والإخفاء القسري والتعذيب، لتبرهن على انتهاكات السيسي في حق المعارضة بأكملها، معتبرة أن دعم النظام الأمريكي للنظام المصري صناعة للإرهاب الذي سيهدد أمريكا فيما بعد، من جراء شيوع التطرف، الناتج عن الظلم والاستبداد.

ولم تنس الجماعة في ختام مذكرتها، أن تستعرض قوتها في ﺍﻟﺴﺎﺣﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﻤﺼﺮﻳﺔ، وتعطي إشارات إلى أنها ﻣﺎ ﺯﺍﻟﺖ ﻗﺎﺩﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺧﻮﺽ ﺃﻳ ﻣﻨﺎﻓﺴﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﺩﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻴﺔ، ﺭﻏﻢ ﻛﻞ ﺍﻟﻀﺮﺑﺎﺕ ﺍﻟﻤﻤﻴﺘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻠﻘﺎﻫﺎ.

ما يمكن أن نستنتجه من تحركات الإخوان، لاستمالة الإدارة الأمريكية إليها، أو على الأقل تحييد موقفها حتى لا ترجح كفة السيسي في صراعه مع الجماعة، إصرار القيادات التاريخية، في اللعب على وتر السياسة، بمختلف أساليبها وأسلحتها، لإقناع القوى العالمية بدعم عودة الجماعة للحياة العامة والسياسية، وهو ما يفطن له النظام المصري جيدًا، ويسعى بدوره بكل قوة إلى تعرية تناقضاتها، مستخدمًا ترسانته الدبلوماسية والسياسية، لإبقائها دائمًا في مربع الريبة والشك، على أمل دفعها إلى مربع تصنيف الجماعات الإرهابية، للخلاص منها للأبد، وبين هذا وذاك، وفي ظل حرب التكتيكات بين الطرفين، تبقى الساحة مفتوحة لكافة الرهانات على ترامب!

منقول عن موقع إضاءات

Login

Welcome! Login in to your account

Remember me Lost your password?

Don't have account. Register

Lost Password

Register