خلال مؤتمر "نحو إستراتيجية عربية شاملة لمواجهة التطرف" : محافظ الإسكندرية: "المواجهة" أساس التنمية والاستقرار
سامح شكري: المنظمات الإرهابية شبكة "مصالح" واحدة.. وأهدافها "سياسية"
كريم جابر :
أكد اللواء طارق مهدي، محافظ الإسكندرية، أن مواجهة التطرف والإرهاب هو أساس التنمية والاستقرار لأي من الدول التى تعانى من أذى تلك الهجمات الشرسة والإجرامية.
ورحب مهدي، بالسادة الحضور والوفود المشاركة من الدول المختلفة بالمؤتمر المقام تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسى، والذي بدأت فعالياته مساء يوم السبت الماضى بمكتبة الإسكندرية، تحت عنوان "نحو إستراتيجية عربية شاملة لمواجهة التطرف والإرهاب" بحضور ما يزيد على مائتي مثقف عربي وعالم وداعية ورموز الفكر والإعلام والتعليم والثقافة والفنون والمرأة بأكثر من عشرون دولة عربية وإسلامية .
افتتح المؤتمر كل من الدكتور نبيل العربي أمين عام جامعة الدول العربية، و الدكتورة فاطمة الزهراء نائبا عن السفير سامح شكري وزير الخارجية واللواء طارق مهدى محافظ الإسكندرية وكل من الدكتور إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية والدكتور عز الدين ميهوب المفكر الجزائري، والإعلامي البارز عبد الوهاب بدرخان.
ويشهد المؤتمر مساهمات من مثقفين عرب بارزين في مقدمتهم الدكتور مصطفى الفقى والدكتور على جمعة والدكتور عمرو الشوبكي من مصر ، والحبيب على الجفري، والدكتور خالد حمد المالك، والدكتور زبير العروس، والدكتورة سلوى الدغيلى، والدكتور محى الدين اللاذقانى وغيرهم .
وسوف يشهد المؤتمر الذى يستمر لثلاثة أيام بالفترة 3 إلى 5 يناير الماضية جلسات عامة وأخرى متوازية تناقش قضايا متعددة بصدد مواجهة التطرف، وبناء الفكر الإسلامي، وقضايا المرأة، وحرية الرأي، والأمن القومي، والمسيحيين العرب فضلا عن الإعلام والتعليم .
فيما أكد وزير الخارجية، سامح شكري، على أن التنظيمات الإرهابية تشكل شبكة واحدة من المصالح تعمل على مساندة بعضها؛ رغم ما يبدو من أفكار مختلفة سعيا إلي تحقيق مآرب سياسية داخلية وخارجية.
وأشار شكري في كلمته التي ألقتها نيابة عنه السفيرة الدكتورة عائشة الزهراء عتمان وكيل أول وزارة الخارجية، إلى أن سياسات التركيز على تنظيم محدد بغض الطرف عن الآخر سيأتي بنتائج عكسية.
وشدد على ضرورة العمل على اجتثاث جذور الظاهرة سواء كانت اجتماعية أو نفسية بما يعكس قضايا الهوية الممتدة عبر الأجيال، معربًا عن ثقته في قدرة المفكرين العرب على تحليل ظاهرة العرب بما ينشر قيم التسامح والتعددية والمواطنة بتزويد الأجيال الجديدة برصيد فكري وثقافي لتحقيق التواصل الممتد بين الفكر والسياسة لبلورة استراتيجية عربية جامعة كصحوة تنويرية جديدة تنتشر بين شرائح الوطن العربي جميعا.
وأشار إلى أن إرهاب الدولة، الذي تمارسه الدولة الإسرائيلية بفلسطين هو النوع الأكثر إرهابا، وهى آخر معاقل العنصرية والاستعمار بالعالم.
وفى ذات السياق أوضح "نبيل العربي" الامين العام لجامعة الدول العربية، أن مجلس جامعة الدول العربية يدرس حاليا التحديات، التي تواجه الأمن القومي العربي، واتخذ قرار بضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة والتصدي لجميع التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش، مع التأكيد على التزام الدول العربية باتخاذ التدابير لرد الاعتداء، وضرورة بلورة إجراءات عربية قابلة للتنفيذ للتصدي للإرهاب ومخاطر الأمن العربي.
وأشار "العربي" إلى أن مواجهة التطرف والإرهاب يتطلب إستراتيجية كاملة، وصياغة مشروع شامل يتضمن الجانب الفكري والسياسي والاجتماعي والتعليمي والخطاب الديني، ليكون دافعا إلى تقدم الأمة وإعادة الاعتبار لمكارم الأخلاق.
وأوضح أن بعض الدول العربية تواجه تحديات في هذا الشأن ولابد من مواجهة الأمر وضرورة إعادة النظر في المنظومة الفكرية العربية بأسرها ووضع المقررات، التي تكفل تحرير هذه المنظومة من التطرف والتخلف الفكري والثقافي وإحياء منظومة فكرية جديدة، مؤكدا على دور المفكرين والمثقفين في هذا الشأن، واصفا الخطاب، الديني المتزمت بأنه وصمة في جبين العرب والمسلمين، مشيرا إلى أن حرية الفكر والإبداع تتطلب إرساء قيم الحكم الرشيد، مؤكدا أن نتائج المؤتمر ستكون في صميم أعمال جامعة الدول العربية للقضاء علي مشروع التطرف وبناء مشروع عربي جديد لإقامة دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية والحقوق.
وخاض المشاركون بعدها حوارات مستفيضة فى جلسات عامة وأخرى متوازية على مدار الثلاثة أيام الماضية إلى أن التطرف ظاهرة سلبية تجثم على صدر المجتمعات الإنسانية قديمًا وحديثًا، ويبرز من بين مظاهرها المختلفة "التطرف الدينى" الذى يقترن بالغلو والتشدد فى الخطاب، وما يرتبط بذلك من لجوء إلى العنف، ورفض المختلف إلى حد قد يصل إلى تكفيره، بل ومحاولة إقصائه بشكل كلى.
وجاء في المشاركات أن التطرف لا يقتصر على النطاق الدينى بل يمتد أيضًا إلى المجالات الاجتماعية والسياسية والثقافية التى يسودها الاستقطاب، والأحادية فى التفكير، والشعور بالاستعلاء والسمو الزائف، وتوهم امتلاك الحقيقة المطلقة، والانزلاق إلى الثنائيات وحرب الأضداد التى تقلص من المساحات المشتركة بين المواطنين، والقوى السياسية، والتيارات الفكرية.
ورأى المشاركون أن التطرف له أسباب عديدة، من أهمها، التعليم والتنشئة الاجتماعية على ثقافة الاستعلاء ورفض الآخر والتسفيه منه وتراجع التفكير النقدى وانتفاء ثقافة المشاركة، الخطابات الدينية المتعصبة التى تستند إلى تأويلات وتفسيرات خاطئة، مفارقة لصحيح الإسلام ومجافية لروح الأديان كلها من الحفاظ على القيم الروحية النبيلة التى تعتمد على المحبة والرحمة والتسامح، وتنبذ التعصب والكراهية، الفقر والأمية والجهل؛ تلك الثلاثية التى تدفع الشخص إلى الانسياق وراء خطاب دينى مشوّه وفتاوى وتأويلات مغلوطة، وآراء ضيقة الأفق، ومناخ معادٍ لثقافة الاختلاف، وفى أحيان كثيرة تكون "المرأة" فى مقدمة ضحايا التطرف نتيجة لتعثر مسيرة التنمية الثقافية والاجتماعية فى المجتمعات العربية، الشعور بالقهر نتيجة المعايير المزدوجة فى العلاقات الدولية تجاه قضايا العرب والمسلمين، والتى يأتى فى مقدمتها استمرار القضية الفلسطينية واحتلال الأراضى العربية فى ظل تقاعس المجتمع الدولى عن اتخاذ موقف حاسم وحازم إزاء، تنامى دور قوى فاعلة، سواء كانت دولاً وجماعات فى إذكاء التطرف، ورصد الموارد المادية والبشرية لتأجيج العنف فى المجتمعات العربية بهدف خدمة مصالحها من ناحية، وإضعاف الأوطان العربية، وتمزيق أواصرها، وعرقلة انطلاق مسيرة التقدم بها من ناحية أخرى، غياب قادة ورموز الفكر القادرين على مواصلة مسيرة سابقيهم من رواد النهضة والتنوير فى العالم العربى، والذين قدموا اجتهادات ملهمة نجحت فى المزج بين الأصالة والمعاصرة وتحديث بنية المجتمعات العربية دون انقطاع عن جذورها الحضارية وأصولها الثقافية. وقد اقترن تراجع تيار التحديث بتصاعد خطابات متزمتة فكريًّا، متطرفة دينيًّا، سلطوية سياسيًّا، منغلقة اجتماعيًّا، انتشار العديد من المنابر الإعلامية المحلية، والإقليمية التى تبث رسائل تحض على التطرف والكراهية، وتسىء إلى وسطية الفكر الدينى المعتد، الآثار السلبية للموروثات والعادات الاجتماعية والقيم الثقافية التى أنتجت تشوهات ثقافية واجتماعية تذكى نعرات الاستعلاء ضد المختلف وتشعل نيران الطائفية العرقية والمذهبية.
وقد أسفرت النقاشات التى دارت خلال المؤتمر عن التوصل إلى توصيات محددة تدور حول المحاور الرئيسية التى يمكن من خلالها مكافحة ظاهرة التطرف، وذلك على النحو التالى، أولاً الخطاب الدينى: أوصى بتصدى المؤسسات الدينية للمفاهيم التى تروج فى المجتمع خاصةً بين الشباب، وفى مقدمتها التفسيرات المشوهة لمفهوم الجهاد والردة ووضع المرأة، وكذلك الدعوة إلى تغيير الأوضاع القائمة بالعنف والخروج عن دولة القانون والمؤسسات، وفتح أبواب الاجتهاد والمعرفة الأصيلة بمقاصد الشريعة والاعتراف بالمنظور التاريخى للتشريع وتطويره للتلاؤم مع مقتضيات العصر وإحياء جهود المجددين من أعلام الإسلام والتوافق مع مواثيق حقوق الإنسان.