سر مبادرة الجماعة الإسلامية لحل أزمة العنف في سيناء .. هل عاد الحنين للجهاديين ؟ .. تقرير
طرح حزب البناء والتنمية, الذراع السياسي للجماعة الإسلامية مبادرة لاستعادة الهدوء بشمال سيناء, والأسس غريبة للغاية أبرزها المساواة بين الكفتين: الدولة وجماعات العنف المسلح، كقوتين يجب الفصل بينهما من جهة، وتقديم كل منهما لتنازلات من جهة أخرى.
تعتمد مبادرة حزب البناء والتنمية، الذراع السياسية للجماعة الإسلامية بمصر، لاستعادة الهدوء فى سيناء، على أسس غريبة أبرزها المساواة بين الكفتين: الدولة وجماعات العنف المسلح، كقوتين متصارعتين يجب الفصل بينهما من جهة، وتقديم كل منهما لتنازلات من جهة أخرى.
فى ذلك إصباغ شرعية ولو ظاهرية لأمر واقع، مُفادُه أن للجماعات الخارجة عن القانون فى سيناء حقوق أيضًا يجب احتواؤها من جانب الدولة! إذ تدعو المبادرة فى ملخص بنودها، إلى "إعلان المجموعات المسلحة وقف العمليات اعتبارا من 25 من أبريل 2017″، حيث ذكرى خروج آخر جندى إسرائيلى من سيناء قبل 35 عامًا، مقابل وقف الدولة معاركها ومداهماتها والملاحقات التى تقودها ضد من تعتبرهم إرهابيين ومتطرفين اعتبارا من التاريخ ذاته.
وتدعو المبادرة كذلك إلى إنهاء حالة الطوارئ المفروضة فى أجزاء عدة من شمال سيناء، وتحديدًا بمثلث القلق: الشيخ زويد ورفح والعريش، منذ نحو سنتين ونصف، مع إعادة المهجرين، مسلمين ومسيحيين، ووضع خطة للتنمية الشاملة بالمنطقة، ومناشدة مؤسسة الأزهر تبنى المبادرة وتعديل ما تراه. تطالب المبادرة كذلك بتبنى مؤتمر وطنى يضم القبائل السيناوية، وكل الأطراف المؤثرة لإجراء حوار مفتوح، والإفراج عن البدو الذين اعتقلوا بطريقة عشوائية وذوى الحالات الصحية والإنسانية، مع إيقاف الحملات الإعلامية التى تشكك فى وطنية أهل سيناء، ومحاسبة المتجاوزين.
أنصار بيت المقدس، ممن يكفرون السلطة والمجتمع، ويدينون بالبيعة والولاء والطاعة لخلافة مزعومة وخليفة مختفٍ لا يعترفون بأى حقوق وطنية أو قومية أو حدود سياسية تخص البلدان والشعوب، صاروا فى عرف رجال الجماعة الإسلامية، رأسًا برأس مع الدولة، التى هى بالأساس مجنى عليها بالنظر إلى تصاعد نيران التطرف والعنف الدينى.
ربما كان الأوقع، أن تعلن الجماعة الإسلامية، مبادرة موجهة لجماعات العنف فى سيناء حتى تضع السلاح جانبًا، ومن ثم تمتثل لإرادة الدولة، وساعتها يمكن مطالبة الأخيرة بتحرى الدقة فيما قد تكون قد أوقعته من مسالب أو انتهاكات أثناء المعارك. تبدو ملامح الشو الإعلامى فى خلفية المبادرة، على أساس سعى الجماعة الإسلامية منذ فترة إلى العودة إلى الساحة السياسية بنشاط، وبالأخص منذ تدشين إجراءاتها الأولية قبل فترة وجيزة، لأجل اجراء انتخابات داخلية لها.
لكن، أليس من الأولى قبل أن تعلن الجماعة الإسلامية مبادرة للتهدئة فى سيناء، أن تتبرأ أولًا من الإرهاب اللفظى على الأقل، الذى يقوده تابعون لها، هاربون فى الخارج، كطارق الزمر وعاصم عبد الماجد وغيرهما، تحريضًا ضد الدولة.
البعض يشتم رائحة الأمن فى المبادرة الجديدة، وعلى أساس أن تاريخ التعاون بين الأخير والجماعة الإسلامية فى العقدين السابقين على 25 يناير 2011 والإطاحة بحسنى مبارك ونظامه كبير على نحو ما، وإن أطل تساؤل بديهى عن مدى عقلانية أن تدعم السلطة فى الكواليس أطروحات تساوى بينها وبين المتربصين بها؟
لا يمكن كذلك استبعاد سيناريو إنقاذ الرقبة من جانب الجماعة الإسلامية فى طرحها مبادرة سيناء فى ذلك التوقيت بالذات، إذ حالة الفورة التى اجتاحت القواعد، فى أعقاب وفاة الأب الروحى للتنظيمات الجهادية المحلية القديمة، عمر عبد الرحمن، داخل سجنه بالولايات المتحدة الأمريكية، إنما أغرت البعض وأسالت لاعبه لأجل استعادة أجواء المواجهة العنيفة وغير السياسية مع الدولة، وبخاصة أن الأمير الضرير الراحل دعا فى وصيته للثأر ممن أسماهم قتلته ومعاونيهم.
وعليه ربما بادرت الجماعة بطرح التهدئة فى سيناء، كتبرؤ عملى غير مباشر من أى انفلات متوقع جراء وفاة عمر عبد الرحمن، وما خلفته من مشاعر انتقامية أو حماسية تستهدف إشعل الأرض بالدماء مرة أخرى. فى المقابل، يتهم آخرون كثر الجماعة الإسلامية، بمنح الإرهاب الداعشى غطاءً سياسيًا بإتاحة الفرصة له للتعاطى كطرف متكافئ فى مواجهة الدولة.
الاتهام يطارد قادة الجماعة الإسلامية فى الوقت الراهن، باعتبارهم قتلة سابقين يمنحون شرعية وتبريرًا للقتلة الجدد. وبعيدًا عن بعض الأصوات المتربصة المسيئة بغير موضوعية للجماعة الإسلامية، فإن الأخيرة تتعاطى وكأنها بريئة من الدماء السائلة فى سيناء بشكل خاص، وبر مصر بصفة عامة.
ل تريد الجماعة الإسلامية أن تنسى الجميع، أن الكثير من كبار قادة أنصار بيت المقدس "ولاية سيناء" السابقين والحاليين، الراحلين أو من هم على قيد الحياة، من خريجى مدرسة مراجعات نبذ العنف التى كانت أعلنتها فى العام 1997، وظلت تدرسها على جميع أعضاء التنظيمات المسلحة فى السجون.
توفيق فريج زيادة وشادى المنيعى وكمال علام وحمدين أبو فيصل وهانى أبو شيتة وأشقاؤه، وغيرهم كثيرون، تلقوا العشرات من الدروس والمحاضرات الفقهية، على يد رموز للجماعة الإسلامية بالسجون، بين عامى 2004 و2007، قبل أن يقروا بالتوبة بحثًا عن الخلاص والهرب من خلف القضبان، وهو ما تحقق لهم، حتى من قبل سقوط دولة مبارك، قبل أن يتوجهوا إلى سيناء لإعادة صياغة جيل جديد من تنظيمات العنف المسلح، تحول فيما بعد إلى الدوران فى معية رجال أبو بكر البغدادى، ناهيك بخلايا وجماعات صغيرة نشطت فى بنى سويف والمنيا وسوهاج وقنا، وفى الدلتا والقاهرة والإسكندرية وطنطا، وغيرها، تورط فيها المئات من شباب وكوادر الجماعة الإسلامية.
أضف إلى ذلك أن عشرات الكوادر المنتمية للجماعة، غضت الطرف عن مبادرة وقف العنف، وسافرت إلى سوريا للانخراط بالجهاد، بل بعض تلك العناصر انتقل إلى مناطق الصراع الإقليمى أو حتى إلى سيناء بوساطة عاصم عبد الماجد نفسه، وأسماء أخرى مثل أحمد عشوش. فيما أن كبار قادة القاعدة وجبهة فتح الشام وداعش، ممن تم استهدافهم مؤخرًا من قبل الطيران الأمريكى وقوات بشار الأسد أو حتى الروس، هم أعضاء نافذون سابقون بالجماعة الإسلامية، كرفاعى طه وأحمد سلامة مبروك وأبو هانى المصرى وأبو الأفغان المصرى وأبو العلا عبد ربه وآخرون.
ثم أليس من الأجدى، أن توجه الجماعة الإسلامية مبادرتها لتنفية معاقلها بالصعيد من تفشى الخلايا الداعشية السرية والعلنية، والتى دفعت البلد ثمنها غاليًا فى تفجيرات الكنائس الأخيرة. فمن البديهى أن يكون لدى القيادات أى سطوة ولو فقهية فى معاقلهم الجنوبية، قد تمكنهم على نحو ما من التأثير ولو بشيء بسيط هناك، لكن أى أدوات ضغط أو نفوذ تملكه الجناعة، كى تستجيب لها تنظيمات سيناء الدموية؟!!
فى الأخير، الجماعة الإسلامية فى حاجة أصلًا إلى إعادة تقييم مبادرتها التسعينية لوقف العنف، بعدما ثبت بالدليل القاطع أنها غير راسخة لا فى نفوس قادة شاركت فى صياغتها، أو كوادر تبدو أنها قد انصاعت لها بطريقة التقية، وفقط من أجل توديع السجون، ومن ثم فتبنى أى أطروحة جديدة فى هذا الشأن ستثير السخرية أكثر من إثارتها للتفاعل الإيجابى.