شهود عيان … يسردون روايتهم عن حادث "نيس"
مع انتهاء الألعاب النارية فوق مياه البحر المتوسط وفوق أحد متنزهات نيس في بروميناد دي أنجليه المليئة بآلاف المتفرجين، بدأ القتل.
أما آلة القتل فكانت عبارة عن شاحنة كبيرة بيضاء وسائق مجنون على متنها، الذي اقتحم الحواجز المرورية مصيباً عشرات المارة أثناء تحركه المتعرج وسط الحشد الموجود على الممشى الواسع. فقد الكثير حياتهم، كما أُصيب الكثيرون قبل أن يتم إيقاف الشاحنة.
ما من شك أن هذا الهياج القاتل كان متعمداً، رغم عدم وضوح اتجاهات المسؤولين عنه في الحال.
إذا تورط بعض الجهاديين المرتبطين بتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في هذا الحادث فلن يُفاجأ أحد إذ تعرضت فرنسا للعديد من الهجمات الإرهابية منذ يناير/كانون الثاني العام الماضي. للعديد من الجماعات الجهادية موطأ قدم في بعض أحياء المهاجرين الموجودة على أطراف ميناء المدينة الشهيرة منذ مدة طويلة، بحسب تقرير نشرته صحيفة دايلي بيست الأميركية، الجمعة 15 يوليو/تموز 2016.
عاشت تيري كلارك، الاسكتلندية البالغة من العمر 49 عاماً، في نيس لمدة 12 عاماً، وكانت تيري إحدى شهود العيان على الحادث. كانت كلارك تجلس مع أحد أصدقائها على الشريط الأخضر أمام فندق Negresco لمشاهدة الألعاب النارية.
وقالت تيري في حديثها لصحيفة "دايلي بيست" عن هجوم الشاحنة الذي وقع الخميس وأسفر عن مقتل 84 شخصاً بحسب ما أعلنت السلطات الفرنسية: "حين بدأ الجميع في النهوض لمغادرة الشاطئ والطريق، قام هؤلاء الأوغاد بما حدث". ويُعد هذا الهجوم هو الأكثر دموية منذ هجمات 13 نوفمبر/تشرين الثاني التي شهدتها باريس وأسفرت عن مقتل 130 شخصاً.
وأفادت تقارير نقلتها الأسوشيتدبرس بأن الشاحنة كانت مُحّمَّلة بالأسلحة والقنابل اليدوية، بحسب ما قال كريستيان إستروسي رئيس المنطقة.
وتابعت تيري وصفها للهجوم قائلة: "في البداية ظننت أن هذا جزء من العرض، ثم سمعت صراخ الناس". وأعلن متحدث باسم وزارة الداخلية مقتل السائق على يد قوات الشرطة بعد أن أطلق النار. وليس معروفاً إذا كان السائق تصرف وحيداً أم لا.
كما استطردت تيري: "كانت الشاحنة تسير في خط متعرج بين ممر الدراجات والطريق محاولة قتل الكثير من الناس"، وأضافت: "السبب الوحيد لكوننا مازلنا أحياء هو وجودنا في منتصف الشارع. لم أر في حياتي شيئاً مشابهاً لذلك. ولن أتغلب عليه مطلقاً".
"مرت الشاحنة مسرعة بجوارنا، لأرى كل هذه الأجساد أمامنا بعد ذلك على الجهة المقابلة من الشارع"، هكذا وصفت تيري ما رأته متابعة: "لم تبد هذه الأجساد حقيقية، لم يبد أنهم أناس حقيقيون. لم تتحرك أي من هذه الأجساد وبدت ميتة. لم يتوقف أحد لمساعدتهم لأنها كانت فوضى عارمة خاصة مع صراخ شخص ما عن قنابل. بالكاد وصلت إلى منزلي إذ لا يمكنك التقدم بسهولة وسط الحشود المذعورة".
وأبدت تيري عدم فهمها لكيفية وصول الشاحنة إلى شاطئ منتزه بروميناد دي أنجليه "كان المكان معزولاً بالحبال. من أين جاءت؟".
أما فيرونيكا بروكودينا، الروسية (24 عاماً)، فكانت تحتفل بعيد ميلاد أحد الأصدقاء في أحد الفنادق الأنيقة في متنزه بروميناد دي أنجليه بعد نهاية عرض الألعاب النارية على الشاطئ.
وقالت لـ"دايلي بيست" إنها فوجئت هي وأصدقاؤها "بأصوات صراخ الأشخاص، كما سمعنا صوت تصادم ضخم. لم تكن لدينا أي فكرة عما يجري، وكان شيئاً لم أسمعه من قبل".
وأضافت فيرونيكا أنها اتجهت لمغادرة المطعم من أصدقائها، لكن اثنين من رجال الشرطة ظهرا وأمرا الجميع بالتوجه لطابق الفندق الموجود تحت الأرض.
"أحس الجميع بالذعر" كما قالت فيرونيكا التي تابعت: "سمعنا تقارير عن طلقات نارية في الجوار في ماسسنا وكور ساليا. غادر أبي مبكراً وشعرت بالقلق عليه، لكنه أرسل لي رسالة ليخبرني أنه بأمان. كان موقفاً مروعاً".
كما قال فيليب ليسكوس إنه كان قريباً من منطقة الشاطئ، حيث وقع الهجوم وانضم للحشود التي تشكلت بسرعة. وأضاف أنه ركض ليصل إلى بيته في شارع دو فرانس.
واستطرد: "كان الجميع يركضون في كل الاتجاهات مثل المجانين، بينما يبكي الأطفال والعديد من البالغين أيضاً. أُخبِرنا أن نبقى في بيوتنا ولا نخرج".
وقال مسؤول في الولايات المتحدة تواصلت معه "دايلي بيست" إن السلطات الأميركية ليس لديها أية وسيلة للتأكد من مسؤولية داعش عن الحادث، لكن تم إدراجها بالفعل على قائمة المشتبه بهم. وتشير التقارير الأولية إلى قيام حسابات مؤيدة لداعش على تطبيق المراسلة "تيلغرام" بنشر صور من الهجوم، لكن من المستحيل تأكيد مسؤولية الجماعة الإرهابية عن الهجوم بسبب عدم توثيق هذه الحسابات وعدم تبنّي داعش رسمياً للحادث كذلك.
وقال محمد بنزمره، أحد الناشطين المحليين المسلمين الذي يسكن في أحد الأحياء المتاخمة لـ"نيس" ذات الكثافة السكانية العالية من المسلمين، التي عارضت كثيراً من الخطابات والمواعظ الدينية لداعش: "لا نعرف من المسؤول على وجه اليقين، لكنها تحمل بصمات داعش، وليس مفاجئاً أن يكونوا هم المسؤولون بالفعل، المفاجأة الوحيدة هي عدم استهداف "نيس" مبكراً قليلاً".
يذكر أن الحادث وقع في أثناء الاحتفال بـ"يوم الباستيل" الذي يُحتَفل به في 14 يوليو/تموز من كل عام في فرنسا، ويصادف اقتحام سجن الباستيل خلال الثورة الفرنسية في عام 1789.
وتحتفل مدينة "نيس" بيوم الباستيل كل عام بعرض ضخم للألعاب النارية على الشاطئ، وهو واحد من أكبر المناسبات من حيث كثافة الحضور في موسم الصيف، كما يعد متنزه بروميناد دي أنغليه The Promenade des Anglais، حيث جرى حادث دهش الشاحنة للضحايا من أهم الواجهات البحرية الأوروبية وأكثرها شعبية.
وفي شهادة على الحادث قال آندي دوايروهو مقيم منذ فترة طويلة في نيس، إنه خرج في نزهة مع كلبه في المنتزه بعد انتهاء عرض الألعاب النارية مباشرة.
وأضاف دواير قائلاً: "فجأة، سمعت صراخاً ورأيت حشوداً من البشر تتجه نحوي، كان الجميع يركضون ويحاولون المراوغة للهروب من أمام الشاحنة، وكان المنتزه مكدساً بالزوار، حيث اصطف آلاف الزوار – حرفياً – لمشاهدة عرض الألعاب النارية في صفوف مزدحمة، كانوا أهدافاً سهلة للهجوم"، واستكمل حديثه قائلاً: "كان القتلى ممدّدون وملقَون على أرض الشارع، كان أحدهم طفلاً، ورأيت رجلاً مقطوع الساقين، أظنه مات بالفعل وقتها، وكان من أصعب ما مررت به هو رغبتي في المساعدة، لكنني لم أعرف ما عليّ فعله بالضبط، كانت الجثث في كل مكان، والناس يركضون من حولي ويبكون ويصرخون".
وأضاف كلارك، المغترب الاسكتلندي، في شهادته حول هجوم الخميس: "شعرت بالرعب، وأغرب شيء حدث هو بداية عاصفة قوية بشكل مفاجئ فور إيقاف الشرطة للشاحنة، كان الفزع على وجوه الأطفال رهيباً"