غزوة بدر الكبرى.. دروس وعبر
كتب: محمود المصرى
تزخر غزوة بدر الكبري بالعديد من الدروس والعبر، حيث كانت بلا شك فيصلاً بيناً بين معسكر الإيمان ومعسكر الشرك، لقد كانت غزوة بدر رغم صغر حجمها فاصلة في التاريخ، لذلك سماها الله في القرآن يوم الفرقان إذ فرق بها بين الحق والباطل، فالغاية من هذه الغزوة المجيدة إنما تتمثل في ضرب الحصار الاقتصادي على معسكر المشركين، وكما نعلم فإن الله أراد لجنوده النفير بدل العير لتكون هذه الغزوة وإخراج الرسول والصحابة فيها للقتال أمرا ربانياً له من الحكم والمصالح ما لا يعلمه إلا الله تعالى: "كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن كثيراً من المؤمنين لكارهون" الأنفال: 5. أي أنهم لم يتصوروا قتالاً أبداً، ولكن كما قال مولانا: "كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون" البقرة: 216.
وهكذا أراد الله لعباده غنيمة أكبر من العير وأكثر انسجاماً مع الغاية التي ينبغي أن يستهدفها المسلم في حياته، ومع ذلك يمكن أن نستنبط من محاولة الاستيلاء على التجارة وعير قريش أن عامة ممتلكات الحربيين تعد بالنسبة للمسلمين أموالاً غير محترمة وما وقع تحت أيديهم اعتبر ملكاً لهم وهو حكم متفق عليه عند عامة الفقهاء، أي أن مقابلة السيئة بما يستحق أهلها من جزاء مشروعة، فقريش طردت هؤلاء المهاجرين من بلدهم، واعتراضهم لقافلة قريش إنما هو العدل الذي لا ظلم فيه، فمن حقهم أن يعوضوا بعض ما فقدوه في مكة من قبل المشركين وأن يعملوا على إضعاف عدوهم وكسر شوكتهم بالاستيلاء على قافلتهم التي هي بعض أهم مصادر قوتهم، وهم الأعداء الذين آذوا الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه حتى اضطروهم إلى الهجرة للحبشة ثم المدينة كما يشير إلى ذلك شيخنا الأستاذ عبدالحميد طهماز في كتابه "سيرة النبي" ص 333.
ومن أهم الدروس المستفادة من هذه الغزوة، الإيمان والعقيدة الراسخة التي تبدت في جواب المهاجرين أبي بكر وعمر والمقداد بن الأسود بل في رد الأنصاري سعد بن معاذ إذ لم تكن المعاهدة بين الرسول والأنصار تقضي إلا أن يدافعوا عنه داخل المدينة، ولكن المعركة الآن خارجها، فكان الجواب: امض لما أردت فنحن معك فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك! أي إننا ندافع عن الدين في كل مكان وأننا بيعتنا معك إنما هي بيعة مع الله لا تحددها نصوص مؤقتة بل هي ممهورة بالصك العظيم الذي وصف الله به الدعاة المجاهدين "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون" التوبة: 111.
أقول: وهكذا تفعل ريح الإيمان إذا هبت، كما تجلت في هذه المعركة مشاهد رائعة برزت فيها قوة العقيدة وثبات المبدأ إذ التقى في القتال الآباء بالأبناء والإخوة بالإخوة والأقارب بالأقارب خالفت بينهم المبادئ ففصلت السيوف، تواجه أبوبكر مع ابنه عبدالرحمن ولم يشفع مصعب بن عمير لأخيه أبي عزيز وهو أسير، وكذلك رأى أبو حذيفة المسلم أباه عتبة بن ربيعة بين القتلى يرمي في القليب فكانت عقيدة الولاء والبراء تعمل عملها في الجيل القرآني الفريد الذي رباه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن أهم الدروس أيضا الأخذ بمبدأ الشورى حيث إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن استبداديا كالحكام والقواد الذين نراهم في أيامنا، وهكذا استطاع بعقد المجلس الاستشاري أن ينضح الأفكار لخوض المعركة، فشاور أصحابه وأبدى المهاجرون والأنصار كلاما حسنا في الشروع الحربي، وكذلك في مكان المعسكر تجاه المشركين وقال الحباب بن المنذر كلمته للرسول في أن ينزلوا أدنى ماء من بدر فتحول إلى المكان الذي أشار إليه راضيا لأن في هذا مصلحة الأمة والحفاظ على نصرها ألا يكون، وهكذا كانت كل حياته صلى الله عليه وسلم على مبدأ الالتزام بالتشاور فيما لا نص فيه من الشارع لأن هذا من باب أحكام الإمامة والسياسة الشرعية الخاضعة للاجتهاد.
فضلا عن القيادة الموحدة، حيث كان رسول الله القائد العام وكان المسلمون يعملون كيد واحدة وكانوا منضبطين بالالتزام بأمر القائد وإذا كان الضبط أساس الجندية فقد كان جيش المسلمين ممتازا في التعاون مع القائد وضبط الأعصاب في الشدائد أما المشركون فلم يكن لهم قائد عام إذ كان أكثر سراة قريش من قوات المشركين ولكن البارزين كما يبدو كانا رجلين هما عتبة بن ربيعة وأبو جهل ولم يكونا على رأي واحد وقد طغت الأنانية لدى جيشهم على المصلحة العليا، كما هو الحال في معظم من يسمون قادة في واقعنا المعاصر،والدعاء والاستغاثة بالله حيث أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم بسبب الدعاء والدعاء هو العبادة.