راديو

رئيس مجلس الإدارة
منال أيوب

رئيس التحرير
محمد الاصمعي

نسخة تجريبية

فى «الوقت المناسب»!

بقلم: محمد سمير

يروى أن ملكاً أراد أن يكافئ أحد رعاياه ذات يوم، فناداه، وقال له: لطالما كانت خدماتك للمملكة جليلة، وتنم عن إخلاص ووطنية كبيرين، لذلك فأنا أحب أن أكافئك مكافأة استثنائية لم أكافئ بها شخصاً من قبل غيرك.. قف خارج حدود القصر واتجه يميناً حيث الأرض المملوكة للمملكة، ثم امض ما شاء لك أن تمضى، وحيثما تتوقف فى نهاية اليوم قبل منتصف الليل، فكل الأرض التى قطعتها مشياً أو هرولة على قدميك هى ملك لك، لا ينازعك فيها أحد.

 

خرج الرجل سعيداً بتلك العطية التى منحه إياها الملك، ثم بدأ فى المضى حيث أملاكه الموعودة، وأخذ يقطع المسافات ثم يجلس هنيهة ليستريح، لكنه يتذكر أن لحظات الراحة ربما تضيع عليه أمتاراً إضافية فيقوم متغلباً على إرهاقه متشبثاً بأحلام الثراء التى باتت وشيكة كلما خطا خطوة جديدة إلى الأمام. دنت الشمس من المغيب وبدأت معالم المدينة فى الغياب أمام ناظريه، وبدأ جسده المنهك يستصرخه طلباً للراحة، لكنه كلما أراد أن يستريح يتذكر أن تلك اللحظات هى فرصته الذهبية التى يجب ألا يضيعها فى القعود والسكون. غابت الشمس، ولا يزال الرجل يمضى مترنحاً، وبدأت معدته الخاوية فى تذكيره بمدى حاجته إلى الطعام والشراب اللذين لم يتذوقهما منذ الصباح الباكر، لكنه أكمل سيره محدثاً نفسه بأن راحته للطعام والشراب ستضيع عليه فرصة زيادة حجم ممتلكاته. وباتت الأمتار يجر بعضها بعضاً، والمسافات تتسع، وكلما اتسعت زادت شراهته فى إضافة المزيد.. ولأن نواميس الكون هى الثابتة، فقد سقط الرجل من شدة الجوع والعطش والتعب، ليدرك حينها أن رجوعه إلى المملكة بات أمراً مستحيلاً. وللمرة الأولى شعر الرجل بحجم المأزق الذى وضع نفسه فيه نتيجة جشعه وطمعه وسوء تقديره.

 

الآن يجب أن أتوقف.. لماذا لم أقلها فى الوقت المناسب؟ لماذا؟ هكذا ردد فى ألم وحسرة قبل أن ينظر إلى الأرض التى قطعها فى سيره وباتت ملكاً خالصاً له، ثم ابتسم فى أسى قبل أن يغمض عينيه إلى الأبد.

هل تذكرك هذه القصة بشىء قارئى الكريم؟ هل ترى فيها جزءاً من حياتك وبعضاً من أفكارك وسلوكك، وكذلك بعضاً من الواقع الذى نعيشه ونراه بأعيننا؟

 

أرجو أن تتخيل -لتدرك مدى الأهمية القصوى لهذه العبارة- لو أن مبارك، والقذافى، وزين العابدين بن على، وصدام، وعلى عبدالله صالح، وبوتفليقة، والبشير، حافظوا على ما قدموه لبلادهم من إيجابيات، وقال كل منهم لنفسه فى الوقت المناسب: «الآن يجب أن أتوقف»، وأرجو أن تتخيل كذلك لو قالها لنفسه فى الوقت المناسب أيضاً كل ظالم، وكل عاص، وكل مغرور، وكل فاسد، وكل مهمل، ألم يكن مصيرهم جميعاً سيكون مختلفاً؟.. ألم تكن حياتهم ستكون بالتأكيد أفضل وأرقى؟.

 

يقول الحكماء عن الطمع: «حشو الجراب بأكثر مما يتسع له يمزقه»، ويقولون أيضاً: «من يطارد عصفورين فى وقت واحد يفقدهما معاً».

 

والآن وبعد أن عايشنا تجربة «الكورونا» بكل إيجابياتها وسلبياتها، من المهم للغاية أن نتأمل بعمق الحكمة التراثية الخالدة التى تقول: «نحن نميل إلى نسيان حقيقة أن السعادة لا تأتى نتيجة حصولنا على ما لا نملك، وإنما بإدراك وتقدير ما نملك».

 

اعمل وكافح وجد واجتهد وثابر، ولكن إياك أن تنسيك طموحاتك أن تتمسك على الدوام بمبادئك وقيمك وأخلاقك وأن تعض عليها بالنواجذ.. توقف فى «التوقيتات المناسبة» إذا شعرت أنك بدأت تحيد عن الطريق المستقيم وصحح مسارك فوراً.. كن طموحاً ولكن لا تكن أبداً طماعاً، وحافظ دائماً على الشعرة التى تفصل بين الطموح والطمع.. يقول أمير الشعراء "أحمد شوقى":

كن فى الطريق عفيف الخطى .. شريف السماع كريم النظر

وكن رجلاً إن أتوا بعده .. يقولون مر وهذا الأثر

 

ويقول الكاتب الكبير أنيس منصور: «فى معركة البحث عن لقمة العيش، ننسى فى كثير من الأحيان: لماذا نعيش؟».

Login

Welcome! Login in to your account

Remember me Lost your password?

Don't have account. Register

Lost Password

Register