في ذكرى مولده.. القصة كاملة لحلوى المولد النبي الشريف
قطعة حلوى وعروسة وحصان، ينتظرها الصغير والكبير سنوياً، للاحتفال بذكري مولد النبي الشريف؛ الذي ارتبط بمولده صناعات مصرية، وموروث شعبي توارثته الأجيال، في حب النبي الكريم، منذ العصر الفاطمي.
بالقرب من ميدان رمسيس، وفي شارع لا يتعد عرضه 3 أمتار فقط، تزدحم المحلات التجارية، بمنطقة "بين الحارات"، بمئات الأطنان من حلوى المولد النبوي، التي تم تصنيعها داخل مصانع حلويات، تنتنشر بطول الشارع.
وبالرغم ضيق الشارع، وطبيعته الهادئة طوال العام، إلا أنه قبل موعد مولد النبي بشهرين فقط، يتحول لخلية نحل، لتلبية طلبات تجار الجملة والتجزئة، بداية من الحلوي بأنواعها، وعرائس المولد والجمال والدمي، التي ينتظرها الأطفال سنوياً.
تاجر: نعمل شهرين فقط في السنة
داخل الشارع الضيق، الذي تنتشر علي جانبية، محلات فخمة تمتلأ بالحلويات، جلس أحمد أبو زيد، الشاب الثلاثيني، داخل المحل الذي حمل لقب عائلته، الذي امتلأت أرففه عن آخرها بعلب الحلويات، لتلبية طلبات الجملة والقطاعي.
يقول أحمد: "ننتظر موسم مولد النبي من سنوياً، ومعظم شهور السنة، تكون هذه الأرفف فارغة، إلا من بعض مستلزمات صناعة الحلويات، لأن هذا الشارع يشتهر منذ سنوات بعيدة، بأنه مقر صناعة حلوي المولد في مصر".
تعمل محلات وتجار وصناع، حلوي المولد النبوي، لمدة شهرين فقط سنوياً، بعدها يتحولون لمهن أخري، ترتبط بمهنة صناعة الحلوي، التي تحمل الكثير من الأسرار.
يضيف صاحب المتجر:" المهنة بها الكثير من الأسرار، وتطورت خلال السنوات الأخيرة بشدة، وللعلم قطعة الحلوي، تتم صناعتها بنفس المكونات، السكر ومكسبات الطعم واللون، وفي الآونة الأخيرة، دخلت مكونات أخرى، مثل المكسرات بأنواعها".
يكشف صاحب المتجر، أن سعر كيلو حلوي المولد، يختلف بحسب الخامات المصنعة منه، وجودة التصنيع والتعبئة والتغليف، حيث تتواجد مصانع، لديها أمكانيات ضخمة، ومكن تقطيع وتغليف، واسم في السوق، يجعلها تتفوق علي المصانع الصغيرة، التي لا تزال تصنع وتغلف بطرق اليدوية.
خلال العام الماضي، عاني التجار والصناع بشدة، بسبب عدم استقرار أسعار الخامات، خاصة سعر كيلو السكر، وهو ما أثر بالسلب علي الموسم، أما هذا العام، فقد استقرت معظم أسعار الخامات، بالرغم من ارتفاعها، إلا أن صناع هذه المهنة، يراهنون دائماً علي عادت تناول حلوي المولد.
سر صناعة "الجمال"
بوسط الشارع انهمك مصطفي محمود، الرجل الأربعيني، في رص وترتيب مجموعة من الجمال، التي ينتظرها الأطفال سنوياً، وترتبط بمولد النبي الكريم، يقول وهو منهمك في عمله: "أعمل في هذه المهنة، منذ 20 عاماً وأجهز للعمل في موسم مولد النبي سنوياً، أما باقي العام فأعمل في مهن أخري".
يتم تصنع الجمال، من الجلد "الأسكاي"، الذي يتم أحضاره وتفصيله بطريقة يدوية، علي يد صناع وفي ورش خاصة، ترتبط بهذه الصناعة، ويتم حشو الجمال بـ "النشارة" التي تخرج من صناعة الأخشاب، بعدها يتم تجميله، ورسم الشكل النهائي للجمال.
طور مصطفي كثيراً، في شكل الجمل وحجمه، منذ أن بدأ العمل في هذه المهنة، ويخزن الكميات التي تتبق منه، للموسم الجديد في العام المقبل، يكشف علي أحد أسرار مهنته يقول: "عندما يترك الجمل لفترات طويلة، تنشف النشارة بداخله ويتعرض للتلف، ولذا نقوم بوضعه في المياه، وتركه يجف ليعود كما كان عند تصنيعه أول مرة".
يحتفظ مصطفي بهذا السر لنفسه، ويخبر به بعض زبائنه وتجار الجملة، حتي لا تتعرض الجمال للتلف ولا يخسرون بضائعهم في الموسم الجديد، لأنه بفضل هذه الطريقة، التي تعلمها منذ سنوات، تمكن من الحفاظ علي بضاعته من التلف، بعد أن تعرض لخسائر سابقة، في أعوام ماضية.
كل ما يشكو منه صانع الجمال، هو ارتفاع أسعار الخامات، التي جعلت سعر الجمل، يقفز لأرقام كبيرة، تصل لـ 100 جنيه للجمل الكبير، و10 جنيهات للجمل الصغير، 30 جنيهًا للجمل متوسط الحجم.
أسرة تكافح بصناعة "عروس المولد"
بالقرب من الجمال التي يصنعها مصطفي، يقف وليد الدسوقي، أمام منزله القديم بالشارع، يراقب زوجته، التي تعمل في صناعة "عرائس المو لد"، بمساعدة ابنائهم الثلاثة، الذين تفرغوا لمساعدة والدهما، بعد انتهاء فترة دراستهم.
لتمثل الأسرة نموذجاً للأسرة التي تكافح، من أجل لقمة العيش، عن طريق احتراف الصناعات الصغيرة، بداية من صناعة فوانيس رمضان، ولوازم السبوع للمواليد، يقول وليد: "نكافح في الحياة الصعبة، ونواجه متطلبات المعيشة والمدارس، بالعمل في المواسم، والرزق بتاع ربنا".
ويضيف رب الأسرة: "هذا منزلي حولته لمصنع صغير ومعرض، لتصنيع عرائس المولد، أبدأ العمل، قبل المولد النبوي بنحو شهرين، وأبيع بضاعتي لتجار الجملة، في أنحاء مصر، وخلال المواسم الأخري، نتحول لصناعة الفوانيس، ومتطلبات الأسبوع".
يؤمن وليد أن مهنته، تعتمد بشكل أساسي على ظروف السوق، وسعر الخامات، التي تتغير من عام لآخر، فمن الممكن أن يربح في بعض المواسم، ومن الممكن أن يتعرض للخسارة، بحسب السوق، الذي لا يوجد له أي حسابات ثابته في هذه المهنة.
يتكفل "وليد" بأحضار مستلزمات وخامات التصنيع، وتوزيع وبيع البضاعة بعد تصنيعها، أما زوجته، فقد انهمكت في صمت، في تزين عرائس المولد، تقول الزوجة وكنايتها أم أدم:" تعملت هذه المهنة كهواية في البداية، بعد ذلك تحولت للاحتراف، للتحول هذه الصنعة، لمصدر لدخل أسرتي".
تكشف أم أدم بعض أسرار صناعة "عرائس المولد"، التي تصنع يمواد ومستلزمات بسيطة، بداية من صناعة "الشاسيه" الحديدي، الذي يتم تصنيعه من السلك، بعدها يتم إلباس العروس فستانها الأبيض، وتزينها بالترتر والماء المذهب، ووضع الرتوش الأخيرة، وتزويد بعض العرائس بالإنارة، لتظهر عروس المولد بشكلها النهائي.
علي جانبي الشارع، جلس أحد أصحاب المصانع، يراقب العمال، الذي يصنعون الحلوي بسرعة ومهارة كبيرة، أحدهم يصب مكونات الحلوى في قوالب، والآخر يقوم بتقطيعها، قبل أن تدخل تصل لعملية التعبئة، التي تتم بعضها يدوياً، وبعضها بشكل أتوماتيك، عن طريق مكن التعبئة والتغليف.
يقول الرجل الستيني، الذي طلب عدم ذكر اسمه: "نعمل طوال العام لمدة شهرين فقط، ويوجد صنيعية يرتبطون بهذه المهنة، ويحققون مكاسب كبيرة، خلال هذا الموسم، الذي ننتظره من السنة للسنة".
يلفت الرجل إلي أن الكميات المطلوبة، انخفضت عن الأعوام السابقة، ولكن لازالت الطلبات تتوالي علي المصانع، لأن هذه الصنعة لها أصول وأسرار، وترتبط بشكل مباشر، بعادات اجتماعية وموسمية، لا يستطيع أحد الاستغناء عنها.
أزدحم الشارع الضيق عن أخره، بالصناع والتجار وزبائن الجملة، الذين حضروا من كل مكان، لشراء حلوي المولد، والعرائس والجمال، وأدوات التغليف، استعداداً للموسم مولد النبي الكريم، الذي يستقبله الجميع بالصلاة علي النبي صلي الله عليه وسلم، وقطعة حلوى وعروس وحصان، تدخل البهجة علي الأطفال.