في ذكري ثورة يناير..ماذا تبقي لـ«ميدان التحرير»؟..«تقرير»
وكالات
تُحل اليوم الذكرى الـ6, لثورة الـ25 من يناير, وهي واحدة من أعظم الثوارات في تاريخ البشرية, خرج الشعب المصري لرفض الأوضاع السيئة التي تعيشها البلاد, إبان عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك ونظامه الفاسد, الذي نهب خيرات وثروات البلاد على نحو 30 عاماً, وتزينت جدران الميدان برسوم «الجرافيتي», والتي وثقت و رصدت احتجاجات الثورة ولحظة بلحظة, ونظيرها لأعداء الثورة ومؤيدو النظام, بحسب ما جاء في تقرير لوكالة الأناضول.
وأشارت الوكالة إلى أن الست سنوات السابقة شهدت العديد من التقلبات السياسية والإجراءات الأمنية وحولت ميدان التحرير،من أيقونة الثورة، إلى متنزه لبعض العائلات، وملتقى للعشاق، لاسيما الطلاب منهم؛ نظرا لهدوئه واتساعه، حسب ما قال أحد الوافدون على الميدان, و يدعي, محمد هاني».
بينما كان يجلس على مقربة من مجمع التحرير، أضاف هاني: "خلال الثورة كان عمري حوالي 12 عاما.. لم أشارك في الثورة، واكتفيت بمتابعتها عبر شاشات التلفاز".
أسبوعيا اعتاد هاني ورفاقه الحضور إلى الميدان، ضمن جولة تشمل شارع كورنيش النيل القريب؛ لكونها، كما قال، "نزهة مجانية" تناسب أوضاعهم الاقتصادية كطلاب لا يملكون ما يكفي من المال لارتياد المقاهي وغيرها.
ورد فأعلام فكمامات
على الجانب الآخر من ميدان التحرير، وتحديدا أمام مبني جامعة الدول العربية، يقف ممدوح صالح (بائع متجول)، حيث يعرض زهورا طبيعية على رواد الميدان، ولاسيما العشاق القادمين من "قصر النيل"، وهو جسر يعود إنشاؤه إلى عام 1869 في عهد الخديو إسماعيل، وكان ممرا للمحتجين إلى الميدان، وشهد أحداثا بازرة خلال الثورة، التي أطاحت بمبارك، يوم 11 فبراير/ شباط 2011.
ما إن اقترب شاب برفقة فتاة حتى هرول صالح إليهما عرضا الورد، ومخاطبا الشاب: "وردة للعروسة"، داعيا لهما الله بالزواج، ومواصلا إلحاحه حتى اضطر الشاب إلى صرفه بعد التضحية ببعض المال.
بائع الورود المتجول، الذي يحمل ذكريات عن الميدان ويطوع نفسه مع الأحداث السياسية في مصر، قال للأناضول: "أبيع الزهور في هذا المكان من قبل اندلاع ثورة 25 يناير".
ومع اندلاع الثورة، تحول صالح إلى بيع أعلام مصر وشارات مكتوب عليها عبارات مؤيدة للثورة، ومع الاشتباكات بين الشرطة ومحتجين، تحول إلى بيع "الكمامات"، وهي أغطية تحمي أنوف المحتجين من غاز الشرطة المسيل للدموع.
وفق البائع المتجول فإن "قرب ميدان التحرير من شارع كورنيش النيل هو أحد أسباب زيارته حاليا، فهو لم يعد مزارا كما كان الحال بعد ثورة يناير، حين كانت الأسر تحتفي بموطن الثوار.. ثم جاءت 30 يونيو لتعيد إلى المكان رونقه".
وراصدا حال الميدان، تابع صالح: "بعد 30 يونيو، ومع التشديدات الأمنية، وإغلاق محطة مترو التحرير (أنور السادات) لأكثر من 22 شهرا، اختفى الميدان عن المشهد، ولم يعد يتردد عليه سوى طلاب متهربون من اليوم الدراسي وعشاق يبدأون جولة سير وحديث رومانسي على كورنيش النيل، ويختتمونها بدقائق استراحة في حديقة الميدان، فضلا عن زيارات أسرية يوم الجمعة من كل أسبوع وفي العطلات الرسمية".
وأغلقت السلطات المصرية محطة مترو السادات، المعروفة لدى الجمهور باسم محطة "التحرير"، 671 يوما متتاليا عقب فض قوات الأمن اعتصامي ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر ، المؤيدين لمرسي، في 14 أغسطس 2013.
وعادت المحطة إلى العمل منتصف يونيو 2015، لكن يتم إغلاقها من آن إلى آخر بسبب ما تقول السلطات إنها "دواع أمنية"، بينما يقول منتقدون إن الإغلاق يهدف إلى عدم تجمع محتجين في الميدان عبر محطة المترو، التي يمر فيها خطان رئيسيان للمترو، يربطان محافظات القاهرة الكبرى الثلاث (القاهرة والجيزة والقليوبية).
معالم الميدان
التغيرات التي طرأت على ميدان التحرير ليست فقط في زواره، إذ أدخلت محافظة القاهرة تعديلات على شكل الميدان، فأزالت معالم كانت موجودة إبان الثورة، ومنها "الصينية"، وهي منطقة مرتفعة دائرية وسط الميدان أقام فيها "الثوار" خيامهم خلال أيام اعتصامهم الـ18 حتى تنحي مبارك.
كما محت السلطات رسوم الجرافيتى من أسوار الجامعة الأمريكية، المطلة على الميدان، وهو ما برره مسؤول في المحافظة، في تصريحات لصحيفة محلية، بطلب من الجامعة.
كذلك وضعت المحافظة بوابات حديدية على ثلاثة مداخل للميدان، وهو ما تكلف، بحسب مسؤول حكومي، 1.5 مليون جنيه ، إضافة إلى إنشاء منصة وسارية لعلم مصر بارتفاع 45 مترا، فضلا عن مكان عمومي لتجمع السيارات.
دبابات ومجنزرات
عن رمزية ميدان التحرير، قال طارق حسين، عضو حزب الدستور (يسار وسط): "منه أطيح بمبارك ونظامه، ومنه انطلقت صيحة الرفض للأنظمة التى جاءت بعده.. التحرير يحمل ذكريات لا يمكن محوها، كدماء الثوار وأماكن إصاباتهم".
والميدان، وفق حديث حسين للأناضول، "لا يمثل قدسية لدى الثوار فقط، فالأنظمة السياسية في مصر تخشاه، فالجميع يخاف منه، ومع كل حدث، ولو بسيط، يغلقونه بالدبابات والمجنزرات العسكرية".
وعادة ما تلجأ السلطات إلى إغلاق الميدان مع أي دعوات إلى الاحتجاج أو خلال ذكرى مناسبات احتجاجية، ويشهد الميدان حاليا إجراءات أمنية مشددة للغاية، تحسبا لاحتمال تجمع محتجين معارضين للنظام الحاكم.
ومنددا، قال حسين إن "السلطة سعت، ومنذ وقت مبكر بعد انحسار الموجة الثورية، إلى طمس ملامح الثورة من التحرير.. كنت أطمح مع رفاقي إلى تحويل الميدان إلى متحف مفتوح أمام المصريين والأجانب، للتعريف بالثورة التي اعترف بها العالم كله، بينما النظام في مصر يعاديها".
كما استنكر هدم مقر الحزب الوطني الوطني ، القريب من الميدان، معتبرا أنه "كان يجب أن يظل شاهدا على ما أنجزه المصريون خلال 18 يوما التي اندلعت فيها ثورة يناير".
وهدمت السلطات المصرية، في يوليو 2015، مبنى الحزب، الذي أشعل فيه الثوار النيران خلال أيام الثورة، لتؤول أرضه إلى المتحف المصري المجاور للميدان.
ومنتقدا حال الميدان، ختم حسين بقوله: "لا يزعجني أن يلتقي العشاق في الميدان، فهم يقصدونه دائما، لكن كنت أطمح أن تكون حكايات الثورة حاضرة في جلساتهم بالميدان ».
محظور على أبناء يناير
العديد من نشطاء ثورة يناير يقولون إنهم يحملون ذكريات لا تنسى عن ميدان التحرير، الذي حصل على اسمه الحالي عقب ثورة 1919 على الاحتلال الإنجليزي لمصر، فقبلها كان يسمي بميدان الإسماعيلية، نسبة إلى الخديوي إسماعيل، وهوخامس حكام مصر من الأسرة العلوية وحكم بين عامي 1863 و1879.
ممدوح جمال، عضو حركة شباب 6 إبريل ، قال إن "ميدان التحرير شهد ميلاد أجيال نشأت على حلم التغيير والحرية".
جمال تابع، في حديث للأناضول، أن "الميدان عاد إلى ما كان عليه قبل الثورة، كملتقى للأسر المنتمية للطبقات الفقيرة، والتي لا تستطيع قضاء أوقات فراغها وإجازاتها في متنزهات غالية الثمن.. لكن أول فكرة ترادوني عندما أمر من الميدان هو الحال الذي وصلت إليه الثورة حتى أن الميدان صار محظورا على أبناء يناير".