راديو

رئيس مجلس الإدارة
منال أيوب

رئيس التحرير
محمد الاصمعي

نسخة تجريبية

مهاجمة صلاح الدين.. «موضة» المثقفين في مصر مؤخراَ.. تقرير

ترددت في وسائل الإعلام في الأونة الأخيرة، أنباء عن مهاجمة الدكتور يوسف زيدان، لصلاح الدين الأيوبي، واوضح أن سيرته في كتب التاريخ، ليست كاملة، وكشف عن بعض الجوانب التي تجاهلها أغلب المؤرخين، على حد قوله
اختلط الأمر على المتحدثين. فالأول كان يشير إلى شارع صلاح الدين في ميدان الجامع، في حين كان الثاني يقصد محل البذور (التسالي) في الشارع والذي يحمل الاسم نفسه. أما الثالث فقد فتح حوار «صلاح الدين» بحثاً عن حقيقة السجال الجاري، حيث فريق يؤكد أن صلاح الدين بطل مغوار وفاتح مقدام والآخر يقول إنه ربما كان باغياً أو حتى طاغياً.
طغيان حديث «صلاح الدين» بين المصريين على مدار الأيام القليلة الماضية ما زال يثير دهشة الكثيرين ويستنفر قرون الاستغراب ويثير علامات التعجب والاستفهام. فالغالبية المطلقة ممن حصلت على شهادة إتمام الصف الخامس الابتدائي تعرف أن «صلاح الدين الأيوبي» ولد في تكريت وفتح بيت المقدس وانتصر على الصليبيين. والغالبية المطلقة ممن حُرمت من التعليم تعرف أن صلاح الدين هو صاحب أشهر جمل السينما المصرية حين قال: «أعز أمنياتي أن يرفرف علم الوحدة على الوطن كله، بهذه الوحدة، والوحدة فقط، نستطيع أن نحرر بيت المقدس من أيدي الفرنجة المغتصبين»، والتي قالها على لسانه الفنان الراحل أحمد مظهر.
وقد ظهرت فئة جديدة من المصريين في الأيام الماضية أثارت الجدل وأجّجت الغضب، حين قابلت ما قاله الكاتب المثير للجدل يوسف زيدان في حق صلاح الدين بصدر رحب وروح مقبلة على النقاش ومراجعة ما ورد في كتاب الصف الخامس، وذلك من دون صب جام الغضب على زيدان أو توجيه كل سبل الاتهام إليه. زيدان أطلق رأياً نارياً وشكك في مسلمات لم يعتد المصريون الاقتراب منها أو مناقشتها، إذ قال للإعلامي عمرو أديب في برنامجه «كل يوم» إن «صلاح الدين واحد من أحقر الشخصيات في التاريخ الإنساني».
وعلى مدار الساعات الماضية، قلب النعت المثير للجدل والمشكك في الثوابت التاريخية الدنيا رأساً على عقب.
وعقب انتهاء البرنامج- الذي يتحدث عنه الجميع من دون أن يخوض في حجج زيدان أو تطرق إلى ما قال من ملحوظات تاريخية أو ما أشار إليه من تفسيرات حربية– تحولت اللقاءات التلفزيونية والحوارات الإذاعية والموضوعات الصحافية ومن ثم حديث الساعة إلى دفاع عن صلاح الدين، وهجوم على زيدان، وتنقيب عن فيلم «الناصر صلاح الدين» ليكون حجة تاريخية ودلالة ثقافية لنصرة صلاح الدين. ومع النصرة، تأتي المؤامرة.
«هي مؤامرة مخططة ومدبرة لهدم الرموز والنيل من الثوابت» غرد أحدهم مضيفاً هاشتاغ «انصروا صلاح الدين» لتعيد المئات التغريدة في محاولة لنصرة الرمز التاريخي والديني. رد أحدهم «يكفي إنه انتصر على الصليبيين ونصر المسلمين»، وهو الرد الذي كان كفيلاً بإيقاظ غير المهتمين بهذا أو ذاك، وغير العالمين بما قاله زيدان، وغير المدركين لما فعله صلاح الدين. غرد المئات ودوّن الآلاف، وأعيد تحميل ما قاله زيدان عبر «يوتيوب» ملايين المرات، وتم عمل «شير» و «لايك» وكذلك «ريبورت» و «بلوك» ليتحول صلاح الدين فجأة، وبين برنامج وضحاه، إلى بؤرة اهتمام المصريين ومثار نزاع الملايين ولقمة سائغة لتداول نظرية المؤامرة الممنهجة تارة والهجمة المرتدة تارة ومحاولات هدم الثوابت دائماً.
ودائماً ما ينبري من بين الصفوف في مثل هذه الأوقات المشحونة والظروف المحمومة رد فعل صادم أو أسلوب تصرف قاتم. ويبدو أن الآثار العكسية الناجمة عن عقود من هيمنة الفكر الواحد والحكم الواحد والتفسير الواحد استنفرت فئة قليلة من المصريين باتت مستعدة لفتح أبواب التشكيك وقبول مجالات الريبة.
وانقسم المصريون قسمين أساسيين: الأول رافض للتشكيك ناقم على التنبيش قافل باب التفكير «بالضبة والمفتاح»، والثاني– وهو قلة قليلة- مرحب بالتشكيك ولو أدى في نهاية المطاف إلى نصرة صلاح الدين، وفرح بالتنبيش حتى وإن أثبت التاريخ وجزمت السوسيولوجيا أن صلاح الدين بطل لا غبار عليه.
لكن أزمة زيدان/ صلاح الدين أخذت أبعاداً أخرى أيضاً. فبين منصات إخوانية وأخرى سلفية وثالثة تكيل العداء لمصر واختياراتها السياسية تصطاد في مياه زيدان حيث تنعت مصر والمصريين بنعوت مفادها محاربة الدين ومجاملة «الصليبيين»، ومجالات فنية اختلط جدها بهزلها حيث تحميل مغبة ما تعرض له صلاح الدين من إهانة للراحل يوسف شاهين، الذي كان ينبغي أن يخرج جزءاً ثانياً حديثاً لفيلمه «الناصر صلاح الدين»، أو التساؤل عن مصير «قلعة صلاح الدين الأيوبي» في المقطم إن ثبت فساد القائد.
أما الشارع، فما زال في حيرة من أمره، حيث اضطرار للبحث عن صلاح الدين لمن لا يعرف سوى شارعه وقلعته ومحل بذوره أو دفاع شرس عن سيرته، أو الاستمتاع بفتح باب الجدل ولو من باب التسلية وتحريك ما ركد في الدماغ.

Login

Welcome! Login in to your account

Remember me Lost your password?

Don't have account. Register

Lost Password

Register