نحو حوار وطنى فعال بإذن الله
بقلم: العميد محمد سمير
هل من المفترض أن كل ما تؤمن به من قيم ومعتقدات ومبادئ وأفكار لابد أن يكون صورة طبق الأصل مما يؤمن به الآخرون؟ أم أن الله سبحانه وتعالى قد خلقنا مختلفى الأفكار والسمات والطبائع والأذواق والقدرات؟.
تخيل لو أن الله جل وعلا قد خلق جميع الناس في كونه البديع متماثلين في الشكل والإمكانيات والمهارات والصفات الشخصية واللغة وأسلوب وطريقة التفكير!
بالتأكيد كان الكون حينئذ سيكون شيئًا مملًا ورتيبًا، ولا مجال فيه لأى تقدم أو تطور.. وفى هذا يحدثنا رب العزة في كتابه الكريم عن حقيقة التنوع الإنسانى في عدة آيات قائلًا: "ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين"، "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا"، "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة" صدق الله العظيم.
إذن فالتنوع في الرؤى والأفكار والقناعات والسلوك هو مشيئة إلهية وسنة كونية باقية إلى يوم الدين، وأى محاولة لمصادرة هذا التنوع أو الحجر عليه بأى صورة من الصور محكوم عليها بالفشل مسبقًا بكل تأكيد، لأنها تحمل أسباب وهنها وضعفها من قبل أن تبدأ، لذلك لابد أن ندرك أن الأساس في وضع أي آليات لإدارة جميع احتياجات المجتمع السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية أساسها الواجب هو أن تتوافق مع مفهوم "التنوع"، وأن تكون قائمة على أساس علمى وأخلاقى في آن واحد، كما جاء في البيت الشهير لشاعر النيل "حافظ إبراهيم":
وارفعوا دولتى على العلم والأخلاق
.. فالعلم وحده ليس يجدى
وهو ما يستوجب منا أن ندرك إدراكًا لا لبس فيه أنه لكى نحقق التوافق والتلاحم الوطنى الحقيقى والمتين، الذي يقوينا ويحمينا ويجعلنا طول الوقت في حالة تقدم وتطور، لابد أن نؤمن بأنه من الطبيعى والمنطقى أن ما قد يحوذ رضاك ليس بالضرورة سينال رضا الآخرين، وأن ما قد تراه أنت صحيحًا قد يراه غيرك خاطئًا، وهو ما تعبر عنه الحكمة الخالدة التى تقول:
"رأيى صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب".
لذلك فمن المهم أن يعلم كل منا نفسه ثقافة الاختلاف، ويجب عند التباين فى الرأى أن يسود سلوكنا سعة الصدر والاحترام المتبادل ومناقشة الحجة بالحجة، والفكر بالفكر، دون تعصب أو تجاوز أو سباب أو شجار، كما يحدث الآن حتى من بعض كبار المثقفين.
لابد أن نؤمن أن المجتمعات تتقدم وتنهض وتتطور وترتقى بتعدد الآراء، وتتحجر وتتجمد وتتخلف إذا سادها الرأى الواحد.. وهنا تبرز أهمية الحوار الوطنى الذى نحن بصدده بإذن الله، والذى يجيء فى توقيت أرى أنه فى غاية الأهمية نظرًا لحجم ونوعية التحديات الإقليمية والدولية التى نراها جميعًا على الساحة الآن، والتى تتطلب منا جميعًا أن نكون وبمنتهى التجرد والإخلاص على قلب رجل واحد.
أثق أن الجميع سيكونون على قدر عظم المسئولية، وأن نتائج وتوصيات هذا الحوار ستكون سببًا فى مستقبل أفضل لبلدنا الغالية فى جميع المجالات بإذن الله تعالى.
حفظ الله مصر المحروسة من كل مكروه وسوء، إنه سميع مجيب الدعاء.
نقلًا عن فيتو