هل تتمكن الحكومة من السيطرة على "اقتصاد بير السلم"؟
يعاني الاقتصاد المصري منذ ثورة يناير 2011، من مشاكل مزمنة ما أدى إلى استنزاف احتياطي النقد الأجنبي والذي كان يبلغ وقت الثورة نحو 36 مليار دولار، إضافة إلى تفاقم عجز الموازنة وتخطي الدين الداخلي حاجز 3 تريليونات جنيه والدين الخارجي 71 مليار دولار، ومع ذلك هناك أموال كثيرة تضيع على مصر سنويا دون أن تتحرك الحكومات المتتالية للاستفادة منها.
هذه الأموال الضائعة بسبب وجود ما يسمى الاقتصاد غير الرسمي أو ما يسمى "اقتصاد بير السلم" والذي يمثل نحو 60% من إجمالي الاقتصاد الكلي وتسبب في ضياع 330 مليار جنيه قيمة الضرائب المهدرة على خزينة الدولة. ووفقا لدراسة أعدها محمد البهي رئيس لجنة الضرائب باتحاد الصناعات المصرية في عام 2015، فإن تعاملاته السنوية تتجاوز الـ 2.2 تريليون جنيه، كما أن 47 ألف مصنع "بير سلم" لم يستخرجوا سجلا صناعيا، ويبلغ إجمالي العقارات غير المسجلة نحو 2.4 تريليون جنيه.
وأشارت الدراسة إلى أن 8 ملايين مواطن يعملون في 1200 سوق عشوائية إضافة للباعة الجائلين.
وذكرت الدراسة أن المهنيين أكثر الفئات المتهربة من الضرائب، كما أن الموظفين أكثر الفئات التي تدفع الضرائب بـ18 مليار جنيه، لافتة إلى أن البيروقراطية والتعقيدات الحكومية وفشل تجربة الإعفاءات وراء وجود هذا القطاع.
وقد أعد البرلمان مشروع قانون للاقتصاد غير الرسمي ويناقش إنشاء "مفوضية تنسيقية" تتشكل من كافة الهيئات الحكومية، لإدراج جميع الأنشطة التجارية أو مقدمي الخدمات للاقتصاد الرسمي.
ويلاحظ أن حجم الاقتصاد غير الرسمي في مصر قد تزايد بشكل ملحوظ بعد ثورة 25 يناير، بسبب غياب العديد من المؤسسات المعنية بمراقبة النشاط الاقتصادي بالأسواق عن عملها، مثل الإدارات المحلية، وشرطة المرافق، وغيرها من الأجهزة الرقابية التي تعتني بمنع مزاولة أي نشاط بدون ترخيص.
ويؤدي وجود الاقتصاد غير الرسمي إلى ضياع جزء لا يستهان به من الإيرادات على الخزانة العامة للدولة، سواء المتعلقة بالتهرب الضريبي أو تلك المتعلقة برسوم التراخيص وتقديم الخدمات الحكومية. وتقدر المبالغ الخاصة بالتهرب الضريبي للاقتصاد غير الرسمي بنحو 330 مليار جنيه مصري وفقا لدراسة اتحاد الصناعات إضافة إلى رسوم التراخيص والخدمات الحكومية.
ويطالب الخبير الاقتصادي هانى توفيق بتفعيل منظومة جهاز المدفوعات والقضاء على التعاملات النقدية بين أفراد ومؤسسات المجتمع وذلك كأحد الحلول لرفع حصيلة الضرائب بمقدار الـ 400 مليار جنيه المهدرة سنوياً عن طريق حصر المجتمع الضريبي بكل وسيلة ممكنة.
يقول عمرو المنير نائب وزير المالية للسياسات الضريبة، إن وزارة المالية قامت بالعديد من الإجراءات في إطار خطة الدولة لتقليل حجم الاقتصاد غير الرسمي، ولعل أبرزها تطبيق منظومة خاصة لمحاسبة الأنشطة الصغيرة والمتوسطة مع تقديم حوافز ضريبية لهم، إضافة إلى السعي لتعميم منظومة المدفوعات الإلكترونية والمصرفية المعاملات بدلاً من المدفوعات النقدية "أو ما يعرف بالكاش" لسهولة المراقبة.
وأكد نائب وزير المالية أن خطة الوزارة تأتي ضمن خطة الحكومة الشاملة للقضاء على الاقتصاد غير الرسمي التي ستؤدي إلى تعظيم إيرادات الدولة سواء الضريبية أو الإنتاجية ما يؤدى إلى زيادة معدلات النمو الاقتصادية وتقليل عجز الموازنة العامة للدولة، معترفاً بأن حجم الإيرادات الضريبية خلال المرحلة الراهنة لا يمثل الواقع الحقيقي للنشاط الاقتصادي في مصر، مشيراً إلى أن نسبة الضرائب من الناتج القومي الإجمالي لا تتجاوز 13% بسبب الاقتصاد غير الرسمي، في حين أن متوسط نسبة الضرائب في العديد من بلدان العالم يصل إلى 25%.
وأضاف أن الحكومة تستهدف تعظيم الحصيلة الضريبية دون زيادة الأعباء الضريبية على المواطنين، وذلك لن يتحقق إلا بضم الاقتصاد غير الرسمي لمظلة الاقتصاد القومي.