أحزان داعية في رمضان
بقلم: د/ ناجح إبراهيم
مر عليَّ 24 شهر رمضان وأنا في السجن ورغم قسوة بعضها وشدتها إلا أن هذا الشهر هو الأصعب والأشق علي نفسي من بين كل هذه الشهور الطويلة .. إنني أخاف علي الحركة الإسلامية ألا تتعلم من تجاربها السابقة أو تقع في نفس الجحر الذي لدغت منه مرات عديدة .
واليوم أكتب خواطري بقلبي قبل قلمي.. أكتبها بقلم المحب لأبناء مصر جميعا ً ويخشى من مزايدة الخطباء المتحمسين علي دماء الشباب الطاهر .. وها هي خواطري دون ترتيب:
1- علي خصوم الحركة الإسلامية ألا يضعوها أمام طريق مسدود .. بحيث لا يكون أمامها سوى الخيارات السيئة والسلبية للجميع .. وعليهم أن يفتحوا أمامها السبل الإيجابية التي تحفظ كبرياءها وكرامتها .. وتضعها في المكانة السياسية اللائقة بها وبتاريخها وكفاحها ..وألا تغمطها حقها وألا تظهر الشماتة فيها أو تحول إيجابياتها إلي سلبيات في غمرة الشعور بانتصارها عليهم .. وليحذر الجميع إقصاء الحركة الإسلامية لأن ذلك كله يتنافى مع كل قواعد الإسلام والديمقراطية والمواطنة ويضر الوطن كله بلا استثناء ضررا ً بالغا ً .. وليحذر الجميع تعميم الأحكام أو المسئولية " أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى "
2- وعلي الحركة الإسلامية أيضا ً ألا تضع خصومها في " حارة سد " بحيث لا يكون أمامهم سوى أسوأ الخيارات التي تضر الجميع .
3- أعتقد أن الذين يطلقون النار علي الجيش والشرطة في سيناء ليسوا من الإخوان .. بل أكاد أزعم أنهم كانوا يكفرون الإخوان ود/ مرسي .. ولكن أعمالهم الآن ستحسب علي الإخوان وستضرهم .. وأدرك أيضا ً أن الذي ألقى بالغلامين في سيدي جابر بالإسكندرية من فوق سطح العمارة ليس من الإخوان .. ولكنه سيحسب عليهم إن لم يكن قانونيا ً فمعنويا ً لدى الشعب المصري الذي لا يفرق بين أطياف الحركة الإسلامية .. وهذا هو الأهم .. وعلي الإخوان المسلمين أن يدركوا هذا الخطر سريعا ً ويتبرأوا من هؤلاء .
4- وعليهم أن يستدركوا الخطأ الإستراتيجي الذي وقع فيه د/ مرسي وقادة الإخوان من قبل بربط أنفسهم بدعاة متشددين أو بجماعات تحمل أفكارا ً تكفيرية أو جهادية .. فما كان ينبغي للرئيس أن يربط نفسه والدولة المصرية كلها بأصحاب الخطاب المتشدد أو التكفيري .
5- ضاعت من الإسلاميين السلطة .. وعلينا أن نحافظ علي المجتمع فالكراسي تذهب وتأتي .. ولكن المجتمع ورأيه العام هو الأهم والأبقى .. وهو الذي أتى بالإسلاميين إلي السلطة .. ويمكن أن يأتي بهم بعد ذلك.. وهو الرصيد الإستراتيجي لها .. ولا بد من مراعاة هذا الرأي العام كله مسلمين ومسيحيين .. ويساريين واشتراكيين وليبراليين وعوام وفلاحين وعمال .. كما فعل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) حينما رفض قتل زعيم المنافقين عبد الله بن أبي سلول مبررا ً ذلك بقوله " حتى لا يقال أن محمدا ً يقتل أصحابه " .. فاهتم بالرأي العام لغير لمسلمين .. واهتم بسمعته لديهم ورأيهم فيه .
6- علي الحركة الإسلامية أن تدرك أن القضايا العادلة يحولها العنف إلي قضايا خاسرة لا يتعاطف الناس معها .. ولنا تاريخ طويل في ضياع قضايانا العادلة بالحماسة الزائدة أو التصرفات الطائشة أو المغامرة بالعنف .. أما الوسائل السلمية المتدرجة والمحسوبة والتي لا يترك زمامها للخطباء والمهيجين .. ولكن يقودها الحكماء والذين لا يستفز عقولهم ضياع منصب ولا يستخف عقولهم زوال سلطان .. ويحسنون اختيار أقل المفسدتين إن لم يكن هناك سبيل لدرئهما معا ً.
7- علينا اليوم أن نتفكر في عبقرية الحسن بن علي ذلك الصحابي الجليل الذي ملك علي َّ شفاف قلبي والذي وجد أن صراع أبيه مع معاوية لا جدوى من ورائه سوى إهلاك الحرث والنسل .. فاقترح علي أبيه أن يتنازل لمعاوية ويوقف الحرب رغم علمه بحق أبيه في الخلافة.. ولكنه اقترح ذلك حقنا ً للدماء .. فغضب منه والده حتى هم أن يسجنه حتى لا ينشر رأيه ذلك
وكانت النتيجة أن ظهرت الخوارج وكفرت الفريقين وتعاهدت علي قتلهما .. فقتلوا عليا ً لبساطته وزهده وعدم اهتمامه بالحراسة .. ولم يستطيعوا أن يفعلوا ذلك مع معاوية رجل الدولة الذي كان مهتما ً بحراسته منذ بداية ولايته للشام .. وسقطت الخلافة الراشدة فلما آل الأمر إلي الحسن بن علي تنازل عن الخلافة حقنا ً للدماء .. تقديما ً للمفضول علي الفاضل والذي أباحه الفقهاء لبيان واقعية هذا الدين العظيم .. ولذا مدحه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) " إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين طائفتين عظيمتين من المسلمين " .. ولو كنا تدبرنا في سيرة الحسن بن علي جميعا ً ما وقع ما نحن فيه الآن من دماء وعنف .
8- لا أريد للإخوان والحركة والإسلامية الطيبة أن تدفع فاتورة بعض التفجيرات التي يمكن أن يقوم بها التكفيريون ها هنا وهناك .. لأن الفاتورة حينها ستكون باهظة وظالمة أيضا ً.