راديو

رئيس مجلس الإدارة
منال أيوب

رئيس التحرير
محمد الاصمعي

نسخة تجريبية

«أحمد حسن»!

 

«أحمد حسن» مواطن بسيط يعمل نقاشاً باليومية، وهو إنسان طيب ومحبوب من جيرانه وأصدقائه.. متزوج ولديه ثلاثة أطفال، اضطرته ظروفه المادية كالعديد من أبناء الوطن الشرفاء إلى السكن فى مكان متواضع فى منطقة مساكن الجمهورية بمدينة السلام على أطراف القاهرة، ومع الوقت تحولت المنطقة التى يعيش فيها مع الأسف إلى وكر لتجارة وتعاطى مخدر «الاستروكس» الشهير.

 

كان ككل إنسان شريف، يخشى على أسرته، يستاء بشدة من منظر المتعاطين وهم يتناولون المخدرات جهاراً نهاراً دون أى رادع أو حسيب بجوار منزله، فكان ينهرهم باستمرار ويطلب منهم مغادرة المكان فوراً، وهو ما كان يغضبهم بالطبع ويجعلهم يكنون له مشاعر كره عميقة. ومنذ عدة أيام ألقت قوات الأمن القبض على أحد تجار المخدرات فى المنطقة، فاتجه على الفور ظن أحد أصدقاء التاجر من المجرمين ويدعى «محمود شندى» إلى أن «أحمد» هو من أبلغ عنه، فأضمر له شراً كبيراً وقرر أن ينتقم منه على طريقته.. فقام فى مطلع هذا الأسبوع بالترصد له أسفل بيته، وافتعل مشاجرة معه وقام بقتله طعناً بسلاح أبيض حتى يكون عبرة لغيره من الشرفاء، صارخاً فى المتجمهرين من الأشهاد: «أيوه أنا ببيع استروكس، حد عايز يموت، حد ليه شوق فى حاجة، أنا قتلت أحمد حسن وخلصت عليه». على الفور انتقلت الأجهزة الأمنية إلى مكان الحادث، وقامت بالقبض على المتهم، وحررت محضراً بالواقعة، وأخطرت النيابة العامة التى تولت التحقيق. وهنا يبرز سؤال مهم للغاية أرى أن الإجابة الأمينة والموضوعية عنه ستجنبنا المزيد من إراقة دماء المواطنين فى المستقبل، وهو: من هم داعمو قاتل «أحمد حسن»؟.

 

الإجابة المنطقية ستكون أنه لا يوجد داعمون، لأن المجرم «محمود شندى» هو من قام بقتله منفرداً، حيث تم القبض عليه متلبساً فى مكان الحادث. ولكن هل هذه هى الحقيقة؟.. بالطبع لا، لأن هذه إجابة ينقصها الكثير من التحليل الصادق العميق. فمن وجهة نظرى أرى أن قتل «أحمد حسن» الحالى، وكل «أحمد حسن» سبقه فى الماضى، وكل «أحمد حسن» سيقتل فى المستقبل، يشارك فيه بشكل أو بآخر، وبنصيب ما، قل أو كثر، الآتون بعد:

 

1- كل محافظ، وكل رئيس حى، وكل رئيس مدينة، وكل عمدة قرية، لا يدرك معنى المسئولية العظيمة التى أوكلها الله إليه، فلم يسع يوماً لإحداث تغيير جذرى حقيقى فى الوضع السيئ، والبيئة المحيطة التى يعانى منها القاطنون فى مثل هذه الأماكن البائسة الموجودة فى جميع المحافظات. وهو ما يتسبب فى زيادة معدلات الجرائم فى هذه الأماكن.

 

2- بعض العناصر الضعيفة أو المتواطئة المنوطة بمكافحة المخدرات، التى تترك الساحة مفتوحة لأحط وأحقر المخلوقات وهم فئة تجار المخدرات، الذين يضربون مستقبل الأمة فى مقتل بتدمير صحة وعقول شبابها وأطفالها، ناهيك عن الحسرة والألم الشديدين اللذين يتسببان فيهما للآباء والأمهات، وقد سبق أن أشرت فى مقال منذ عامين تحت عنوان «القصاص الآلهى» إلى نموذج منهم، فى واقعة قيام وزارة الداخلية باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد خمسة عشر «أمين شرطة» كانوا يعملون فى وحدة البحث الجنائى بقسم شرطة الأميرية، نتيجة خيانتهم لأمانة العمل وثبوت تسترهم على بعض تجار المخدرات بدائرة القسم، نظير مبلغ شهرى قيمته 24 ألف جنيه لكل منهم، وهم بذلك يضيعون الجهود الجبارة التى يبذلها زملاؤهم فى هذا الشأن فائق الأهمية.

 

3- وزارة ثقافة تترك هذه المناطق الموبوءة المغلقة على قاطنيها، دون محاولات جادة ومبدعة وغير نمطية لاقتحامها فكرياً، وتنويرياً، وتوعوياً، لتغيير البيئة الثقافية لسكانها، والارتقاء بسلوكهم، حيث إن هذه المناطق هى التى يجب أن يكون لها الأولوية فى التنمية الثقافية.

 

4- أب وأم لا يراعيان الله فى تربية أبنائهما، ويكتفيان بالإنجاب فقط، ويتركانهم بعد ذلك لتربية الشارع وصحبة أصدقاء السوء، فتكون النتيجة أبناء منحرفين لا أخلاق لهم، يعيثون فى الأرض فساداً، وهم بذلك لا يطبقون قول رسولنا الكريم: «كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته».

 

أرجو من جهات الاختصاص فى الدولة أن تستخلص الدروس المستفادة من مثل هذه الحوادث الخطيرة، وألا تنظر إليها على أنها حوادث فردية بسيطة تنتهى بعقاب المتهم، لأن دلالاتها المستقبلية جد خطيرة على كل المجتمع، وأن تتدارس بعناية ما تمت الإشارة إليه فى المقال، لتصحيح ما يحتاج إلى علاج سريع وفعال فى المستقبل.

 

حفظ الله بلادنا الغالية من كل مكروه وسوء.

نقلاً عن الوطن

Login

Welcome! Login in to your account

Remember me Lost your password?

Don't have account. Register

Lost Password

Register