«أكشاك الفتوى» بمترو الأنفاق.. أخر جهود «البحوث الإسلامية» لتجديد الخطاب الديني
في ظل انتشار الإرهاب، والمروجين له، يعد تجديد الخطاب الديني، أحد أهم متطلبات هذه الفترة بمصر، وتبذل الجهات المختصة، جهودا لافتة لتحقيق هذا التجديد بشكل متزن، وتعد مباردة أكشاك" الفتوى بمحطات مترو الأنفاق، أخر هذه الجهود، حتى الأن.
"محاربة التطرف".. بهذه العبارة لخص الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، محي الدين عفيفي، أسباب مبادرة المجمع لإنشاء "أكشاك" الفتوى بمحطات مترو الأنفاق بالعاصمة المصرية، القاهرة.
ونفذت لجنة الفتوى التابعة للمجمع، أحد أكبر الهيئات الدينية في البلاد، أول تجربة بإنشاء مركز (كشك) للإفتاء داخل محطة مترو "الشهداء"، أكثر محطات المرفق ازدحاما، لتقديم الفتوى لمن يطلبها من المرتادين.
ويقول المسؤولون عن المبادرة إنها جاءت لتلبية احتياجات المواطنين للمعرفة ومواجهة الفتاوى المضللة التي تحاول بعض التيارات المتطرفة ترويجها.
وأضاف عفيفي لبي سي سي: "الهدف من هذه الأكشاك هو مواجهة فوضى الفتاوى المغلوطة باسم الدين، ومواجهة الفكر المتطرف الذي يتعسف في تفسير النصوص الدينية، والالتحام بالجماهير، وقطع الطريق على أدعياء الدين."
وأضاف: "المبادرة تصب في مصلحة المسلم وغير المسلم، فمواجهة الفكر المغلوط بالتوعية والمواجهة الفكرية المضادة أمر مهم جدا للمجتمع بجميع فئاته".
وانتقد عفيفي من يعارض الخطوة بدعوى مخالفتها مبدأ مدنية الدولة قائلا: "من يقول هذا يقوض الجهود الرامية إلى مواجهة الإرهاب باسم الحرية".
"الدولة لا دين لها"
لكن المبادرة لم تلق تأييد الجميع، وأثارت جدلا بين مؤيد يراها ضرورة للتصدى لحالة فوضى الإفتاء، ومعارض يعتبرها خطوة تنحاز للتدين بل وتغذي التطرف بدلا من محاربته.
ووصف مدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان، جمال عيد، المبادرة بأنها "مزايدة باسم الدين".
وقال عيد لبي بي سي: "في الحقيقة إنشاء أكشاك للفتوى في غير أماكنها أمر ليس مفهوما. يمكن تفهم وجود دار للفتوى لمساعدة المواطنين في حل مشاكلهم الشخصية وأمور حياتهم، أما هذه الأكشاك هي استمرار لمزايدة الدولة باسم الدين".
وأضاف متسائلا: "أين هي الخدمات الأكثر إلحاحا بالنسبة لراكبي مترو الأنفاق؟"
مترددةعلى كشك الفتوى في مصر
مترددة على الكشك تقول لبي بي سي إن "الكشك سيوفر للعوام من المصريين مرجعية صحيحة لأسألتهم الملحة"
وقال عيد إن "من ينشئ أكشاكا للفتوى ينشئ هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبالتالي يزيد التطرف".
وتابع: "ألا يحق لغير المسلمين من المسيحيين والبهائيين وحتى اللادينيين إطلاق مثل هذه المبادرات؟ فالدولة لا دين لها، فإذا قررت الدولة إطلاق خدمة فعليها أن تكون موجهة لصالح الجميع لا لصالح فئات بعينها".
وشدد على أن "محاربة التطرف تأتي من خلال إطلاق الحريات"، وأضاف قائلا: "لا أتذكر فتاوى لمؤسسة دينية تدعو عن العدالة الاجتماعية أو التنديد بالاختفاء القسري".
"جرعة الوعي"
الدكتور عمار علي حسن، أستاذ علم الاجتماع السياسي، قال إن فكرة "طريقة تقليدية عفا عليها الزمن، وعلى المؤسسة الدينية اتباع أساليب أكثر حداثة للوصول إلى عموم الناس".
وأضاف لبي بي سي أن "التنظيمات الإرهابية لم تعد تعتمد في الغالب على علاقات الوجه بالوجه لنشر أفكارها، بل على الوسائل الأحدث، كوسائل التواصل. أما فكرة الحضور الجسدي تثير في الحقيقة تساؤلات حول طريقة تفكير هذه المؤسسات."
وأشار إلى أن محاربة الفكر المتطرف تأتي من خلال "زيادة جرعة الثقافة والوعي والتفكير العلمي في مناهج التعليم بمصر ووسائل إعلامها الفوضوية".
كشك الفتوى
الأعراف والتقاليد المحافظة أمرر سائد في مصر، وتلعب المؤسسات الدينية دورا محوريا في عملية التنشئة السياسية في البلاد
بيد أن الخطوة لاقت ترحيبا من بعض رواد المترو، وقالت إحدى المترددات على الكشك لبي بي سي: "الكشك مهم للغاية بالنسبة للعوام من المصريين، وسيوفر لهم مرجعية صحيحة في حالة الاحتياج إلى فتوى متخصصة بعيدا عن غير المؤهلين".
وانتقل الجدل إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وقال المستخدم "عمرو عمار"، في حسابه على فيسبوك: "أعجبتني الفكرة، وأتمنى نجاحها… نحن في أشد الاحتياج للتقرب إلى الله واسترجاع الصور الذهنية عن الحلال والحرام".
لكن آخر اعتبر الخطوة ترسيخا للعنصرية قائلا: "الأكشاك أنشئت من أموالنا، ومن الضرائب التي يدفعها المسلمون والمسيحيون على حد سواء. لا شك أن هناك أفكارا أفضل لمحاربة التطرف. لكن تلك الأكشاك ترسخ مبدأ العنصرية وتلغي مبدأ المواطنة".
ولم تخل مشاركات المستخدمين من التعليقات الساخرة، وقال محمد الكومي على حسابه في تويتر: "بدل ما تضيع وقتك وإنت في محطة مترو الشهداء ادخل وخدلك فتوى!!".
وتسود الأعراف والتقاليد المحافظة في مصر، وتلعب المؤسسات الدينية دورا محوريا في عملية التنشئة السياسية في البلاد.