إعلام الأزمة أم أزمة الإعلام؟
بقلم: عماد عنان
لاينكر عاقل الآن مايمارسه الإعلام من دور مؤثر في إدارة شئون البلاد وفي توجيه العقل المجتمعي حيال قضايا بعينها لاسيما في ظل تواضع مستوى الوعي الجماهيري وغياب الخلفية الثقافية التي تؤهل المواطن لان يفلتر كل مايتلقاه من وسائل الإعلام المختلفة فيأخذ منها مايتوافق مع وعيه وعقله ومنطقه ويضرب بالآخر عرض الحائط . وفي كل المجتمعات المتقدمة هناك مايسمى بـ " إعلام الأزمة " وهو المنوط به المساهمة في حل الأزمات التي تواجه المجتمع أيا كان نوعها ، ولهذا النوع من الإعلام خصوصية مختلفة ، وأبجديات معينة لابد ان يلتزم بها تحقيقا للغاية منه . أما في مصر فحدث عن إعلام الأزمة ولا حرج ، فغالب إعلامنا يتعامل مع المشهد السياسي من منطلق " اللي يتجوز أمي أقوله ياعمي " ، إعلام يفتقد للحيادية والموضوعية ، إعلام ينتهج سياسة الإقصاء المتعمد إرضاءً لطرف دون الآخر . لو نظرنا إلى الأزمة التي تمر بها مصرنا الآن ، وبصرف النظر عن التوصيف الإيديولوجي والسياسي للواقع المعاش الآن ، وما انتهجته معظم وسائل إعلامنا من سياسات ، لخرجنا بنتيجة مؤكدة وهي أن الإعلام نفسه أصبح جزءا من الأزمة ، بل تصدر المشهد ليكون هو الأزمة ذاتها . فالإعلام الذي طالما " طبل " و "زمر " لمرسي ورفاقه قبل شهرين ، هو الآن يعزف على أوتار التشريح الجسدي لمرسي وجماعتها ، الإعلام الذي اتهم السيسي بالأخونة والضعف والخنوع هو نفسه من صنع منه بطلا قوميا وحمله فوق الأعناق وكأنه جمال عبدالناصر ، الإعلام الذي ماترك شاردة ولا واردة من أزمات في الوطن إلا وسلط عليها الضوء بصورة مبالغ فيها هو نفسه الآن من يغض الطرف عن نفس الأزمات بسعة قلب وأريحية غير مسبوقة .
بالأمس القريب كنت في نقاش حاد مع صديق لي ، وتناقشنا فيما يتعلق بالانقطاع المتكرر للكهرباء فاق ماكان عليه الوضع أيام الرئيس مرسي ، وسألته لماذا لم يتكلم احد ؟ ولماذا لم أجد تلك الثورة التي عايشتها سابقا بسبب أزمة انقطاع الكهرباء ؟ ولماذا لم أجد إعلامنا يتحدث عن تلك الأزمات كما تحدث عنها سابقا ؟…وإذ بصديقي يجيبني بعفوية مطلقة " اللي يحبك يمضغلك الزلط واللي يكرهك يتمنالك الغلط " وأعقبها بترديد أغنية " تسلم الأيادي " التي أصبحت أشهر من أغنية " ياحبيبتي يامصر " …. للأسف نحن نحيا حالة من الفوضى الإعلامية ، مفتقدين إعلاما احترافيا يعي خطورة الأزمة ويتعامل معها بموضوعية بعيدا عن الانتماء الإيديولوجي ، ترك إعلامنا المصري اعتصامات رابعة والنهضة للقنوات الأجنبية والوكالات الخارجية فكان ماينقل عبر تلك الوسائل هو الحقيقة الوحيدة في ظل غياب إعلامنا الرسمي أو الخاص ، ثم نأتي " نولول " في نهاية الأمر على تجاوز تلك القنوات في نقل الحقيقة . في الوقت الذي ينقل فيه الإعلام الأجنبي مظاهرات أنصار الرئيس مرسي تحت شعار " الشرعية " يصمم إعلامنا أن يطلق على تلك المظاهرات " الإرهاب " وكأنه يسعى لإشعال الموقف أكثر وأكثر ، وزيادة حدة انقسام الشارع إلى الحالة التي تنذر بمستقبل الله وحده يعلم كيف ستكون ملامحه . نريد إعلاما نزيها ، إعلاما ينقل الحقيقة لايصنعها ، إعلاما احترافيا لا موجها ، إعلاما يعي انه جزءا من حل الأزمة وليس هو الأزمة نفسها .