إكسر غصنك!

بقلم: العميد / محمد سمير
فى قديم الزمان كان أحد الملوك قد أهدي إليه صقران رائعان، فأعطاهما لكبير مدربي الصقور لديه ليدربهما، وبعد عدة شهور جاءه المدرب ليخبره أن أحد الصقرين يحلق بشكل رائع ومهيب في عَنان السماء، بينما لم يترك الآخر غصن الشجرة الذي يقف عليه مطلقًا. فما كان من الملك إلا أن جمع الأطباء من كل أنحاء البلاد ليعتنوا بالصقر، ولكنهم لم يتمكنوا من حثه على الطيران.. فخطرت في عقله فكرة: "ربما عليَّ أن أستعينَ بشخص يألف طبيعة الحياة في الريف، ليفهم أبعاد المشكلة"، وأمر فورًا بإحضار أحد المزارعين ووعده بمكافأة كبيرة إذا تمكن من جعل الصقر يقوم بالطيران.. وفي الصباح ابتهج الملك عندما رأى الصقر يحلق عاليًا فوق حدائق القصر، فسأل المزارع الماهر: "كيف جعلته يطير؟"، فأجاب بثقة: "كان الأمر يسيرًا، لقد كسرت الغصن الذي يقف عليه".
تذكر دائمًا أنك تقص جزءًا من شعرك؛ لتكون أجمل، وتقطع المطابع أطراف أوراق الكتب؛ لتصبح جذابة وصالحة للإقتناء والتداول، ويقلم البستاني أشجار الحديقة؛ لتبدو أكثر رونقًا وبهجة، فليس كل نقص عيب، بل قد يكون هو عين الإضافة.
كم من شبابنا من هو واقف على غصن وظيفة يتقاضى من خلالها أقل القليل، وهو يمتلك طاقة جبارة ولكنها كامنة، قد أعاقها إلفه لهذا الغصن، وعدم رغبته في التغيير، وخوفه من المبادرة إلى ما هو أفضل، وتردده عن الإقدام إلى العمل على رفع كفاءته وتأهيله؛ ليكون قادرًا على إكمال دراسته، أو خوض مسابقة في وظيفة أكثر دخلًا من الأولى، وأحيانا أكثر مرونة للتدرج نحو الأحسن دائمًا.
وكم من مسؤولينا من لا يزال يتشبث بأغصان النظم القديمة، حتى أصبحت مؤسسته أسوأ مؤسسة في القطاع الذي ينتمي إليه.
وكم من أولادنا من يمتلك عقلية فذة، ومهارات فائقة، ولكنه متمسك بغصن الصداقات السلبية المنطفئة الروح، ولو أنه كسر هذا الغصن وألقاه جانبًا، لرفرف أكثر من رفرفة ذلك الصقر فوق أجواء القصر.
وكم من مثقفينا لا تجد في كتاباته جديدًا، ولا في شعره إبداعاً، ولا في خطابته نفسًا خاصًا، ولا في برامجه الإعلامية إبهارًا، وهو لا يمتلك أي مقوم من مقومات التجدد؛ حتى تبلى كلماته، وتتساقط كما تتساقط أوراق الخريف، فلو أنه كسر أغصان الخمول المعرفي، وتبحر في بطون الإصدارات الجديدة يبتغي مزيدًا من العلم، وخاض غمار الوسائط الإعلامية العصرية المتلاحقة؛ لربما دُهش هو نفسه من نتاجه الجديد.
إكسر غصنك لكى تستطيع أن تحلق عاليًا، واعلم أنه:
لا يمتطى المجد، من لم يركب الخطر..
ومن يتهيب صعود الجبال، يعيش أبد الدهر بين الحفر.
نقلاً عن فيتيو