اسم «أم كلثوم» يتصدر جوجل لهذا السبب
كانت أربعينيات القرن الماضي من السنوات الفارقة في حياة الملحن والموسيقار الكبير محمد القصبجي، فما بين موسيقار مجدد ملأ سماء الشرق بالألحان إلى عازف للعود في فرقة الست.
ففي الوقت الذي انتهي من تلحين أغنية "رق الحبيب" والتي غنتها سيدة الغناء العربي أم كلثوم عام 1944م، ظهرت أزمة فيلم برلنتي تأليف وبطولة وإخراج يوسف وهبي، حيث رفض الجمهور ومعهم قراء الصحف أن يكون اسم القصبجي الملحن الكبير متواريا، وغير متقدم في تتر وإعلان الفيلم في دور السينما.
وُلد الفنان محمد القصبجي أحد رواد الموسيقي العربية في القاهرة عام ١٨٩٢م، وقد تعلم الفنان الكبير محمد عبد الوهاب عزف العود علي يديه، وقد لحن لأم كلثوم العديد من الأغنيات الشهيرة، بدأت بأغنية "قال إيه حلف ويقول مقطعها:"قال إيه حلف، أحبك وإنت مش داري،أيها الفلك، خيالك في المنام، طالت ليالي البعاد، هايم في بحر الحياة، أخذت صوتك من روحي"، وانتهت بالأغاني الثلاثة التي لحنها لها في فيلم فاطمة عام 1947م.
بدورها تذكر مجلة "التلغراف" التي تنشر "بوابة الأهرام" مقتطفات منها، في تغطيتها لفيلم برلنتني عام ١٩٤٤م بعنوان "الكحلاوي والقصبجي، بأنها وصلتها رسالة بإمضاء شخص بعنوان "منصف" عن القصبجي والكحلاوي، بمناسبة تقديم الكحلاوي علي القصبجي في فيلم برلنتني، حيث قامت المجلة بنشرها عملا بحرية النشر، حيث أكد منصف أنه شاهد فيلم برلنتني، وقد صُدم حين شاهد ملحنًا كبيرًا مثل القصبجي يُدرج اسمه بعد اسم الكحلاوي، وهذه الصدمة والدهشة انتابت الكثيرين الذين يعرفون قيمة القصبجي، أول من فتح الطريق نحو غناء المونولوج في مصر.
وفيلم برلنتني من تأليف وإخراج يوسف وهبي، ونور الهدي ، ومحمود المليجي وآخرين، ويحكي الفيلم الذي تم عرضه عام ١٩٤٤م ، وقدمت التلغراف إعلانا له، موت والد الفتاة برلنتي، حيث تضيق بها سبل الحياة بعد وتسقط أمها مريضة، فتضطر برلنتي للعمل مطربة حتى تتمكن من علاجها، يتزوجها المحامي سامي، ومع توالي الأحداث ترى برلنتي أنها تقف حجر عثرة في سبيل نجاح سامي، تضحي بسمعتها حتى يهجرها، يصدق ذلك فيطردها ويتزوج من الفتاة سميحة، ومع تطور الأحداث تتهم برلنتي بالقتل، وقد قام بتأليف كلمات أغاني الفيلم الشاعر الكبير بيرم التونسي.
وقال منصف في رسالته لـ"التلغراف"، إن القصبجي حين لحن لأم كلثوم قطعة "إن كنت أسامح" فتح فتحًا كبيرًا في الموسيقي العربية، بل كان صاحب الفضل الأكبر على المطربة أم كلثوم وغيرها بإنتاجه الموسيقي الضخم، متسائلا أين هو الكحلاوي من القصبجي؟، مؤكدا أن الكحلاوي ظهر فجأة بأغان وألحان ليست جديدة ولا مبتكرة، بل هي أغانٍ معروفة ومألوفة عند أهل الصعيد والبدو والسوريين.
وأكد أن الكحلاوي ليس له غير لحن واحد ناجح وهو "يا زينو"، وهذا اللحن مأخوذ ككل ألحانه من لحن سوري معروف باسم "ياغزيل يا أبو الهيبة"، لذلك قد أسفت كل الأسف لهذا التصرف الخاطئ مع رجل مثل القصبجي، ونحن نرجو أن تتدارك الشركة هذا الخطأ، وأن تقوم بوضع اسم الموسيقار الكبير القصبجي بما يليق به، واستهل تعاون القصبجي مع كوكب الشرق في أغنية "أن حالي فى هواه عجب".
وأكدت أم كلثوم أن الأغنية اشتهرت شهرة كبيرة، بعدها قام بتلحين أغنية "إن كنت أسامح وأنسي"، ثم "الشك يحيي الغرام"، ثم الأغنية الرابعة التى أحبها كثيرا "يا عشرة الماضي الجميل".
وتضيف أم كلثوم بأن القصبجي كان يلازمني في تختي الشرقي، فدرس جميع أبعاد صوتي، والذي فتح له آفاقا جديدة في التلحين، وقد قدم لي القصبجي أغنيات كثيرة بعدها منها:"إنت فاكراني ولا ناسيني، وليه تلوميني وانت نور عيني، ومادام تحب بتنكر ليه".
توفي محمد القصبجي في مثل هذا اليوم 26 مارس من عام 1966 عن عمر 74 عاماً قدم فيها للموسيقى العربية آثاراً ثمينة، وأضاف للموسيقى الشرقية ألواناً من الإيقاعات الجديدة والألحان السريعة والجمل اللحنية المنضبطة والبعيدة عن الارتجال، كما أضاف بعض الآلات الغربية إلى التخت الشرقي التقليدي، وانتهى به الحال عازفا للعود وراء الست، وقد كرمته أم كلثوم بأن جعلت مكانه فارغا في فرقتها الموسيقية لا يملؤها غيره اعتزازا بأفضاله عليها .