الأيام دول!
بقلم: العميد محمد سمير
فى قديم الزمان تزوّجت امرأة من تاجر غنى، له متجر كبير يبيع فيه جميع أنواع الأقمشة والملابس، وعلى الرغم من ثراءه الواسع إلا أنه كان شديد البخل.. وذات يوم اشترى دجاجة، وطلب من زوجته أن تطهيها ليتناولا جزءً منها على العشاء.. وبينما كانا يتناولان الطعام سمعا طرقًا على الباب….
فتح الزوج الباب، فوجد رجلًا فقيرًا يطلب بعض الطّعام لأنه جائع.. رفض الزوج ان يعطيه شيئًا وقال له كلامًا قاسيًا وطرده، فقال له السائل: سامحك الله يا سيّدى، فلولا الحاجة الشديدة والجوع الشّديد، ما طرقت بابك!.
لم ينتظر الرجل أن يكمل السّائل كلامه، وأغلق الباب بعنف في وجهه، وعاد إلى طعامه..
قالت الزوجة: لماذا أغلقت الباب هكذا في وجه السّائل ؟.
فقال الزوج بغضب: وماذا كنت تريدين أن افعل ؟.
فقالت: كان من الممكن ان تعطيه قطعة من الدجاجة يسدّ بها جوعه! .. قال الزوج: أعطيه قطعة كاملة ؟! أجننت ؟!. قالت الزوجة: إذن كان من الممكن أن تقول له كلمة طيّبة !.
وبعد أيام ذهب التاجر إلى متجره، فوجد أن حريقًا قد شب فيه وأحرق كل القماش والملابس، ولم يترك شيئًا، عاد الرجل إلى زوجته حزينًا وقال لها : لقد جعل الحريق المحل رمادًا ، وأصبحت لا أملك شيئًا.
قالت الزوجة: لا تستسلم للأحزان يا زوجي واصبر على قضاء الله وقدره ولا تيأس من رحمة الله ، ولسوف يعوّضك الله خيرًا بكدك وسعيك، لكن الرجل قال لزوجته : اسمعي يا امرأة، حتى يأتي هذا الخير اذهبي إلى بيت أبيك؛ فأنا لا أستطيع الإنفاق عليك!. وقام بتطليقها، ولكن الله أكرمها بعد فترة، فتزوّجت من رجل آخر كان على النقيض تمامًا من زوجها الأول، فهو كريم يرحم الضّعفاء، ويطعم المساكين، ولا يردّ محرومًا ولا سائلًا أبدًا.
وذات يوم بينما كانت المرأة تتناول العشاء مع زوجها الجديد، دقّ الباب فنهضت لترى من الطّارق ورجعت وقالت لزوجها: هناك سائل يشكوا شدّة الجوع ويطلب الطّعام فقال لها: أعطيه إحدى هاتين الدّجاجتين، تكفينا دجاجة واحدة لعشائنا، لقد أنعم الله علينا، ولن نخيّب رجاء من يلجأ إلينا، فقالت: ما أكرمك وما أطيبك، يا زوجي الحبيب!.
أخذت الزوجة الدجاجة لتعطيها السّائل، ثم عادت إلى زوجها لتكمل العشاء والدموع تملأ عينيها …!.
لاحظ الزوج عليها ذلك، فقال لها في دهشة: ماذا يبكيك يا زوجتي العزيزة؟… فقالت:إنّني أبكي من شدّة حزني!. فسألها عن السّبب فأجابته: أنا أبكي لأن السّائل الذي دقّ بابنا منذ قليل، وأمرتني أن أعطيه الدّجاجة، هو زوجي الأول !.
ثمّ أخذت المرأة تحكي لزوجها قصّة الزوج الأول البخيل الذي أهان السائل وطرده دون أن يعطيه شيئًا وأسمعه كلاما لاذعًا قاسيًا…
فقال لها زوجها الكريم: يا زوجتي، إذا كان السّائل الذي دقّ بابنا هو زوجك الأول، فأنا السّائل الأول !.
سبحان الله الأيام دول، وحكمته جل وعلا فى كونه البديع أن الدنيا لا تستقر على حال، فلا تستقوى ولا تتكبر بما معك اليوم، فسبحان العاطى الوهاب، لأنه إذا لم تحسن التصرف فيما أعطاك، أخذه منك فى لمح البصر، فهو سبحانه يقول للشىء كن فيكون.
عامل الفقير بالصورة التي تتمنى أن يعاملك بها الناس، فلا تؤذه، ولا تستقو عليه، وتذكر دائمًا أننا كلنا فقراء إلى الله.. فبقدر ما يكون مقام المرء رفيعًا بقدر ما يتعين عليه أن يكون متواضعًا وكريمًا.
نقلاً عن فيتو