الاستبداد والتسلط السياسى
بقلم – فـوزى فهمـى محمــد غنيــــــــــــــم
Fawzyfahmymohamed@yahoo.com
حين يحل الاستبداد السياسى بشعب يشل وعيه ، وتطرب أهدافه ، ويصبح بمعزل عن سياسة المستبد الغاصب , الاستبداد والتسلط بمختلف ألوانه وأشكاله هو شىء أعمى يسير عكس حركة التاريخ والحضارة والحياة الإنسانية الطبيعية .. لأنه يقف على طرفى نقيض من حرية الإنسان ، ومن قدرته على تحقيق الاختيار السليم ، بل إنه يشل طاقة التفكير واستخدام العقل والفطرة الصافية عند الإنسان ، ويرهن مصائره للمجهول ، ويجهله أسيراً بيد الجهل التخلف .. وهنا تقع الكارثة الكبرى عندما يفقد هذا الإنسان حريته .. لأنه يفقد معها كل شىء جميل فى الحياة .. إنه يفقد العزة والكرامة والأخلاق والعلم ، وبالتالى يكون مصيره الموت المحتم أو العيش على هامش الحياة .
بناءً على ذلك يجب أن لا نفزع من كل تلك الأساليب .. بل يجب أن نكون أقوياء بإمكاناتنا وإرادتنا ووجودنا الحى الفاعل – برغم قناعتنا بانعدام فرص التغيير فى عالمنا العربى والإسلامى حالياً .
الاستبداد السياسى من أول أسباب الشلل الفكرى ، إنه ليس هيناً أن يسير الإنسان فى الطريق خائفاً يترقب ، فقد تهوى عصا على أم رأسه تودى بحياته ، أو تناله صفعة على قفاه تودى بكرامته ، أو يؤخذ بتلابيبه فيرمى فى السجن لا يدرى شيئاً عن أهله وولده !! إن أصابع الاتهام تشير إلى صنفين من الحكام والعلماء جروا على أمتنا هذا التخلف المهين خلال قرون متطاولة ، وكانوا السبب فى الأمراض التى أقعدتها فى وقت انطلق فيه أهل الأرض ينسفون العقبات ، فلم يكفهم أن بلغوا السحاب حتى غزوا الفضاء ، ولم يكفهم أن بنوا الجوارى فى البحر كالأعلام حتى غاصوا فى أجواف البحار يحملون معهم (الرؤوس النووية) ذات الدمار الشامل . إن الحاجة الى الاستقرار النفسى كالحاجة إلى القوت ، وكان الخليل ابراهيم يقدر حقوق الإنسان الأدبية والمادية معاً عندما جأر – قبيل انشاء مكة ( رب اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات ) . والجندى المأمور بضرب الناس لا يبالى أن يسحق تحت حذائه أكبر مخ فى العالمين ، لأنه لا يميز بين مخ ومخ ، ولا يدرى إلا أنه مكلف بالضرب ، إنه آلة بشرية فى يد جبـار .. وعندما يصف القرآن الكريم سياسة الفراعنة يسلك الآمر والمأمور فى نظام واحد (إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين ) . وقد يضفى على الجميع الطابع العسكرى القاسى ( هل أتاك حديث الجنود ، فرعون وثمود . بل الذين كفروا فى تكذيب . والله من ورائهم محيط ) . فى هذا الجو الكالح من الزلفى والاستعلاء تموت المواهب النفسية ، فإذا انضم إلى الاستبداد الأعمى تضييق فى الرزق ، وأضحى المال عطاء يمر من بين أصابع الفرد الحاكم ، فهو يقبض ويبسط ، فعفاء على الاخلاق والذمم .. عندما كنت أقرأ قصة اختراع الآلة البخارية كنت أرى الشاب الانكليزى يتابع ببصره رفع البخار لغطاء الآنية ، ويفكر بأناة فى استغلال هذه القوة لمصلحة البشر ، كان مطمئن البال وهو يتأمل ويستنتج ، إن أحداً لن يجره إلى دار العمدة ليضرب مائة سوط على تصرفه ، إنه لن يقف أمام ضابط يقول له : فكر فيما ينفعك (ياروح أمك ) كما يجرى على كثير من الألسنة ! كانت الكرامة الأدبية والمادية قد تقررت للجماهير فى بلده بثمن رهيب . والمستبد لا يرى إلا نفسه ، ولا يبصر إلا مصلحته ، ولا يقرب منه إلا من يتملقه ويترضاه .