البحث العلمى بين الواقع المؤلم والتقدم المنشود
بقلم:عقيل اسماعيل عقيل
هو موضوع يستحق الكثير من العناية والاهتمام، ذلك أن مكانة البحث العلمي من التقدم الحضاري للأمم تعد بمنزلة القلب من الجسد ، وهو قاطرة التقدم، ومنارة الطريق، وأساس بناء النهضة، ومن دونه تسير الأمم دون ضوء أو شعاع، ولقد أصبح لمصر رصيد ضخم تعتز به من العلماء والخبراء القادرين على تطويع المنجزات العلمية لخدمة المجتمع وتنمية موارده وقدراته من خلال مراكز البحث العلمى المنتشرة ، ولكن تبقى الحقيقة أن حكومات تذهب وأخرى تأتى، وكل منها يؤكد على أهمية البحث العلمى فى تحقيق نهضة اقتصادية وعلمية لمصر، وكل منها يعلن عن خطط ومشروعات وخطوات فورية لانتشال البحث العلمى من عثرته، وينتهى الأمر عادة إما بفصل وزارة البحث العلمى عن وزارة التعليم العالى، واعتبارها وزارة دولة، أو إعادة دمجهما معًا.و بين الخطوة والأخرى يبقى الواقع المؤلم هو حال البحث العلمى فى مصر .
وفقًا للإحصاءات الدولية، تتسع الفجوة في مجال الإنفاق على البحث العلمي بين مصر ودول العالم بشكل مخيف، فعلى سبيل المثال، أنفقت مصر عام 2009 ما نسبته 0.21% من الناتج المحلي الإجمالي على البحث العلمي، في حين بلغت تلك النسبة في ذات العام في إسرائيل والبرازيل وتونس 4.27%، 1.8%، 1.1% على الترتيب. وإلى جانب إشكالية ضعف ميزانية الإنفاق الحكومي على البحث العلمي، تعانى مصر من سوء توزيع تلك الميزانية، فوفقًا للجهاز المركزي للتنظيم والإدارة فإن 80% من ميزانية البحث العلمي تنفق على الباب الخاص برواتب العاملين والموظفين في قطاع البحث ، وذلك إضافة إلى البيروقراطية والمشكلات الإدارية والتنظيمية، وإهمال التدريب المستمر سواء على الأجهزة الحديثة، أو لاستعادة المعلومات العلمية ورفع الكفاءة البحثية. وقد ظهر ذلك جليا بالقائمة العالمية لجودة البحث العلمي لدول العالم التي تقهقر ترتيب مصر فيها للمركز129 من بين148 دولة واحتلت اسرائيل المرتبة الأولي. وذلك يعنى ان هناك دولا تعي تماما أهمية الإنفاق علي البحث العلمي, واسرائيل ليست هي الدولة الوحيدة التي تسعي لذلك فكل دول العالم المتقدمة تسعي له لأنها تقدر قيمة البحث العلمي وتعي تماما أن تقدمها ورفاهيتها تبدأ به, والتخلف عن ركب البحث العلمي الحقيقي تخلف في كل شئ, واسرائيل لم تبلغ تلك المرتبة إلا بعد أن رصدت أكثر من3.5% من دخلها القومي للبحث العلمي الحقيقي.
إن نجاح البحث العلمي في مصر يتطلب توافر عناصر رئيسية ثلاثة وهي الكوادر البشرية المتخصصة, والعامل الثاني هو الدعم المالي وهو بطبيعة الحالي غير كاف لتوفير أدني مستوي للبنية التحتية للبحث العلمي, رغم ان الدستور الجديد، ولأول مرة منذ نشأة الدساتير المصرية، نص على ميزانية معينة للإنفاق على البحث العلمي، تلتزم به الحكومة، لكن حينما نعلم أن المخصصات التي يطمح الدستور لإقرارها لن تزيد على 1% فقط من الناتج القومي الإجمالي، بحلول عام 2016، وهذا لا يليق أبدًا بحجم وأهمية وخطورة البحث العلمي، المنوط به رسم مستقبل مصر إقليميًا ودوليًأ، خاصة في ظل التنافس الدولي على العلم والمعرفة الذي بات المحدد الأبرز لتقدم الدول ونهضة الشعوب. والعنصر الثالث وهو الخاص بأسلوب إدارة البحث العلمي المصري المكبلة بالروتين والتى تصطدم دائما بمعوقات لاحدود لها تحول دون تحقيق الأهداف المنشودة من البحث العلمي خاصة في دفع عجلة النمو الاقتصادي بزيادة الإنتاجين الزراعي والصناعي والرقي البيئي ،ولذلك فرحيل الباحثين عن مصر قد لايكون من أجل المال فقط كما يتصور البعض ولكن لعدم توافر الإمكانيات والمناخ المناسب للبحث العلمي.
وقد أكد تقرير لمركز معلومات مجلس الوزراء صدرفى 12/3/2012 إن مصر احتلت المركز 122 بين 142 دولة من حيث مؤشر هجرة «استقطاب» العقول خلال عام 2010 – 2011، معتبرا مصر من الدول غير الجاذبة للعقول، مؤكدا أن عدد براءات الاختراع التى أصدرها مكتب براءات الاختراع المصرى خلال الاحد عشر شهرا الأولى من عام 2011 بلغ 343 براءة اختراع، نسبة 12.2% منها فقط صدرت لمصريين. و أن مصر احتلت المركز 113 عالميا من بين 142 دولة من حيث مؤشر جودة مراكز البحث العلمى محققة 2.8 نقطة متراجعة عن عام 2009 – 2010، حيث كانت تحتل المركز 110 من بين 139 دولة، بينما جاءت إسرائيل على رأس قائمة دول العالم بقيمة مؤشر بلغت 6.3 نقطة.وكذلك الأبحاث المصرية المنشورة فى مجلات مصرية اتجهت نحو الانخفاض لتسجل نحو 3.7 ألف بحث ومقالة عام 2007، بانخفاض بلغ 48.6% مقارنة بعام 2005.
وأظهر التقرير أن نسبة الإنفاق الحكومى على البحث العلمى إلى الناتج المحلى الإجمالى بلغت 0.2% خلال عام 2009 – 2010 لتنخفض بذلك عن مستواها خلال عام 2000 – 2001 الذى بلغت فيه 0.26%، موضحا أن نسبة الإنفاق الحكومى على البحث العلمى من إجمالى الإنفاق، إجمالى الاستخدامات بالموازنة العامة للدولة، بلغ 0.68% بارتفاع نحو 0.04%. وأن هناك 15.9 ألف باحث يعملون فى المراكز البحثية التابعة للوزارات المصرية خلال 2011 بنسبة 72% منهم يعملون بالمراكز التابعة لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضى ووزارة البحث العلمي. ولفت إلى أن مصر تراجعت إلى المركز 128 من حيث درجة التعاون بين الجامعات وقطاع الأعمال فى مجالات البحث والتطوير عام 2010 – 2011، مشيرا إلى أن عدد الباحثين فى مصر بلغ 617 باحثا لكل مليون من السكان خلال عام 2007 وفقا لتقرير معهد اليونسكو للإحصاء.وأكد أن مصر جاءت فى المركز 40 عالميا من حيث توافر العلماء والمهندسين خلال عام 2010 – 2011 حيث بلغت قيمة المؤشر 4.5 نقطة، موضحا أن معدل الالتحاق بالتعليم العالى فى مصر بلغ نحو 33% وجاءت فى المركز 77 عالميا من حيث معدلات القيد بالتعليم العالى خلال عام 2008.
لذلك يعتبر البحث العلمى فى مصر سلعة غير مطلوبة ، والمنظومة نفسها ترفضه ولا تعتمد عليه خطط الدولة فى بناء الاقتصاد، ولكن يجب أن يدرك كل راغب فى الإصلاح والنهوض بهذا الوطن أن منظومة المعرفة بشقيها، التعليمى والبحثى، هى السبيل الوحيد للحياة والنجاة.