الحكيم والدجال!
بقلم: العميد محمد سمير
يحكى أن دجالًا جاء إلى إحدى المدن.. فاجتمع الناس حوله يشترون بضاعته الغريبة.. وفي كل يوم كانت سلعته تزداد رواجًا.
و ذات يوم زار المدينةَ رجلٌ حكيم..
فأدهشه إقبال الناس على الدجال.. وسأل عن سبب الزحام الشديد حوله فأخبروه أن هذا الرجل يقوم ببيع قطع من أراضي الجنة.. ويمنح سندات تمليك بذلك.. ومن مات ومعه هذا السند.. دخل الجنة وسكن الأرض التي اشتراها هناك.
احتار الرجل في كيفية إقناع هذا الكم الهائل من الناس بعدم صدق هذا الرجل.. وأن من اشترى منه قد وقع في تضليله وتدليسه..
وفي النهاية اهتدى الرجل الحصيف إلى حل عبقري..
تقدم الحكيم إلى الرجل الدجال فقال له: كم سعر القطعة في الجنة؟.. فأخبره أن القطعة بـ 100 دينار..
فقال الحكيم: وإذا أردتُ أن أشتري منك قطعة في (جهنم).. أتبيعها لي؟؟..
استغرب الرجل ثم قال:
خذها بدون مقابل..
فقال الحكيم: كلا.. لا أريدها إلا بثمن أدفعه لك.. وتعطيني سندًا بذلك.
فقال:
سأعطيك ربع جهنم بـ 100 دينار.. وهو سعر قطعة واحدة في الجنة!!.
فقال له الحكيم: فإنْ أردتُ شراءها كلها؟..
فقال الدجال: عليك أن تعطيني 400 دينار.
وفي الحال قام الحكيم بدفع 400 دينار إلى الدجال.. وطلب منه تحرير سند بذلك.. وأشهد عليه عددًا كبيرًا من الناس.
وبعد اكتمال السند قام الحكيم ينادي بأعلى صوته: أيهاالناس.. لقد اشتريتُ جهنم كلها.. ولن أسمح لأي شخص منكم بالدخول إليها.. فقد صارت ملكي بموجب هذا السند.. أما أنتم فلم يتبقّ لكم إلاالجنة.. وليس لكم من سكنٍ غيرها سواء اشتريتم قطعًا أم لم تشتروا!.
عند ذلك تفرّق الناس من حول الدجال لأنهم ضمنوا عدم دخول النار بسند الحكيم.. وأدرك الدجال أنه أغبى من هؤلاء الذين صدّقوا به!!.
قال الراوي: قصصتُ هذه القصة على شيخ جليل اشتهر بحكمته فقال لي: وهل تعجب من هؤلاء الناس؟.
فقلت: نعم.. أيوجد أناس بهذا المستوى من التفكير؟!..
فقال: أغلبنا يمثل مستوى تفكيرهم.. غير أنهم أفضل نيةً منا!!..
فقلت: كيف؟..
فقال: مَنْ يشرب الخمر هل يجدها ملقاة على الطريق أم يذهب لشرائها بماله الخاص؟! .
فقلت: بل يشتريها بماله الخاص..
فقال: ومن يقصد بيوت الهوى.. ومن يلعب القمار.. ومن يتعاطى المخدرات.. ومن يضيع الأوقات في مشاهدة الحرام.. ومن تنتهك حرمات الله بملابسها العارية.. أليست كلها أموال ندفعها من جيوبنا لنشتري بها قطعًا في جهنم؟!..
بينما نترك الصلاة والصيام والذكر والقرآن وحسن معاملة الناس وغير ذلك من العبادات.. رغم أننا لا ندفع شيئًا من جيوبنا.. ولا نقبل أن نشتري الجنة بأيسر الأعمال..فمن أصلح هم أم نحن؟!.
قصة يجب أن نتوقف عندها كثيرًا.. وأن ندرك بها معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"كلُّ أمتي يدخلون الجنةَ إلا من أبى،
قالوا: يا رسولَ اللهِ ، ومن يأبى؟.. قال:
من أطاعني دخل الجنةَ، ومن عصاني فقد أبى".
نقلًا عن فيتو