علقوا اليافطة في المكان الذى حدده لهم، رجع خطوتين إلى الخلف ليتأمل اسمه اللامع والذى  زاده بريقًا ذلك الفسفور الكثير الذى أوصى به الخطاط أن يكثر منه حتى يمنحه حسابه كاملًا.

فى حفل بهيج وصاخب حضره جميع الزملاء والأصدقاء والأهل والأحباب افتتح العيادة في حي شعبى فقير على قدر إمكاناته المادية فى بداية مشواره العملي بعد أن اجتاز مشواره العلمى بنجاح وامتياز.

حرص على أن يشرف على كل شئ فى العيادة، منذ بداية التعاقد على الشقة ومدة العقد وكذلك مقابل الإيجار والمقدم.. أشرف بنفسه كذلك على العمال الذين كانوا يتناوبون على العمل داخل الشقة حتى ينتهى من جميع أعمال المحارة والكهرباء والسباكة والدهانات كلها اختارها حسب ذوقه الشخصى.

كان من فرط التعب والإرهاق ينام على كومة من الرمال داخل الشقة. كان يصل الليل بالنهار حتى يسابق عقارب الساعة ويلتهم الوقت حتى ينتهي من إعداد العيادة للكشف وممارسة عملة الذى يحبه والذى طالما حلم به في سنوات حياته الأولى. أتم كل شئ بسرعة مذهلة وكما هى عادته دائمًا مع الإنجاز لا ينسى الدقة وكذلك اللمسة الجمالية التي يحرص عليها فى كل عمل يقوم به.

أتم تشطيب العيادة من جميع لوازم المعدات الطبية التى سوف يحتاج إليها عند الكشف على مريضاته اللائي سوف يقبلن عليه لمهارته ودقته ومتابعته لأحدث وسائل وطرق العلاج وحضوره الدائم للمؤتمرات الطبية المتخصصة فى مجاله. كان بين فينة وأخرى يذكر نفسه بالقَسَم ويعاود ترديده في همس غير مسموع وكأنه يتمتم ببعض الآيات المباركة حتى تحميه من شر الحسد الذي يؤمن به كثيرًا وتحفظه من عيون الحاقدين والناقمين.

انتهى الحفل الصاخب  بعد أن نال من جسده الكثير  ومن جيبه الهزيل أكثر وأكثر وأسلم نفسه للسرير في وداعة وخضوع  لينال قسطًا ولو ضئيلًا من الراحة التي يبحث عنها طيلة أيام تشطيب العيادة حتى يستطيع أن يلملم شتات نفسه ويقوى جسده، ففى الصباح ينتظره عمل كثير ونساء كثيرات سوف يقوم بالكشف عليهن مع بداية أول يوم عمل بالعيادة.

جاء الصباح، حمل معه جميع شهاداته التي حصل عليها ومعها ترخيص مزاولة المهنة الذي استخرجه منذ أيام  من نقابة الأطباء، دخل على عجل بعد أن ألقى  تحية الصباح على الممرضة التي أعجب بمهاراتها في تطييب المرضى منذ أن كان طبيبًا في مرحلة الامتياز.

من سرعته ولهفته لم يلفت انتباهه من يجلس مع الممرضة، دخل إلى غرفة الكشف مباشرة وبعد دقائق دق الجرس هرولت إليه الممرضة مبتسمة وسعيدة، ومن بين فرحتها وسعادتها حثته على ضرورة سرعة البدء في العمل حيث إن هناك مريضة تريد أن تكشف بسرعة لأنها متعبة جدًا.. ابتسم في وجه الممرضة وقال لها دعيها تتألم قليلًا وتنتظر قليلًا حتى تظن أن بالعيادة عملًا كثيرًا وأن لها زباءنها الكثيرين، ولا تظهرين فرحتك هذه لها وكذلك حتى تكتشف بنفسها مهارتي التى لا تخيب عندما أكشف عليها بدقة وأخفف عنها الألم فتحكى لصديقاتها وأهلها وقريباتها، ومن هنا نبنى سمعة جيدة للعيادة منذ البداية، ويكون لنا مرضانا الذين يقصدوننا  للعلاج. ضحكت الممرضة بصورة توحي بأنها معجبة كثيرًا بعبقريته  وبطريقة تفكيره، وأنها موافقة على كل ما يقول.. طلب من الممرضة اأن تساعده في تعليق  الشهادات  الهامة فى مكتبه وتأخذ الباقي وتعلقه فوق مكتبها أمام عيون المرضى مباشرة وطلب منها أيضًا بعد أن تنتهي من كل ذلك أن تعد له فنجانًا من القهوة السادة التى يحبها ثم تدخل المريضة حتى يجرى الكشف عليها.

أومأت الممرضة بخضوعها الكامل لكل أوامره وأنها سوف تنفذ كل شئ بدقة كما يحب دائمًا.. بعد دقائق وبينما هو غارق في احتساء قهوته الصباحية طلت عليه بوجهها المألوف لديه ومن هول المفاجأة كاد أن يسقط عليه فنجان القهوة.. حاول أن يتماسك ويتمالك أعصابه وقال لها بصوت مرتعش:

من أين علمتِ حتى تجيئي لتباركي لي؟

• ليس مهمًا من أين علمت.. هكذا أنت دائمًا لا تبحث إلا عما يخصك أنت فقط، ثم إنني لم آت مباركة بل جئت مريضة.

بهت وجهه وزحف اللون الأصفر الشاحب على وجهه سريعًا وقال بارتعاش:

مريضة.. مريضة في عيادة نساء وولادة؟

• نعم.
• ممَ تشكين؟
• أشكو من بذرة زرعها فى رحمي ظالم لم يرحم ضعفي ولم يقدر حبي له.

طفت فجأة إلى سطح ذاكرته كل صور اللقاءات المحرمة التي كانت تجمعه معها بعد أن كان يخدعها بمعسول الكلام، وبأمان مستقبلها حيث إنها سوف تصبح زوجة الطبيب المشهور، ولكن بمجرد أن اقترب من التخرج تهرب منها وغاب عنها وعن سماء حياتها وبدل رقم هاتفه وقطع كل الوسائل والطرق التي من الممكن أن تصل إليه من خلالها ولم يعرف عنها شيئًا من وقتها.

– أنتِ متأكدة ممَ تقولين؟

– نعم أنا أشعر بالنبتة داخل رحمي تنمو يومًا بعد يوم، وأخشى الفضيحة والعار الذي سوف يصيبني ويصيب عائلتي وقد تطولك أنت أيضًا.

فهم مقصدها وقال لها بعصبيته التي تعرفها جيدًا:

– هيا كى أتأكد بنفسى.

تمددت أمامه على الشازلونج  وبعد أن تأكد بنفسه مما تقول، لعن في سره اليوم الذى دخل فيه كلية الطب  وهذا التخصص بالتحديد ثم دارت الأرض أسفل قدميه وزاغت عيناه وسقط مغشيا عليه.