راديو

رئيس مجلس الإدارة
منال أيوب

رئيس التحرير
محمد الاصمعي

نسخة تجريبية

الدكتور موسى نجيب موسى يكتُب لـ”زهرة التحرير": "ليلة ختان"

الدكتور موسى نجيب موسى ..أمين تكنولوجيا المعلومات بشعبة المبدعين العرب

    كانت الإعدادات غير عادية فى هذا اليوم، فأمى توصى الجميع بضرورة الانتهاء من دعك المواعين والأوانى الكبيرة المطلوبة لمثل هذه المناسبة، وتوصى البنات أيضًا بأهمية تجهيز تراب الفرن فى معون له عمق مناسب، كما أن أبى ضاعف كمية اللحوم التى يشتريها فى كل مرة ووجوه كثيرة أعرفها جيدًا وأخرى أول مرة أطالع سحنتها تقبل على بيتنا محملة بسُبوتات الخير والتى عرفت بعد ذلك  من أمى أنها واجب زيارة يؤديه المعارف والمقربون من أجل التواصل.

الجميع فى بهجة وفرحة عارمة تغمر الوجوه، وتتلاقى الأكف بسخونة غير عادية وتتناثر القبلات على الخدود، سواء بين الرجال بعضهم البعض أو بين النسوة بعضهن البعض. ولكن من كان يحظى بالنصيب الأوفر من كل ذلك بين الرجال والنسوة هما أبى وأمى تحديدًا وأنا غير مستوعب لما يحدث ولا أعرف ما المناسبة، أهرول إلى الفرن البلدى داخل الدار والذى أعشق الجلوس بجواره كلما كانت النسوة يخبزن العيش البتاو والذى ألتهمه ساخنًا وهو غارق فى الزبدة البلدى وعليه قليل من السكر، بحركة لا إرادية أتناول" البشكور" وأقلب فى الفرن كما كانت تفعل إحدى النسوة عندما تنخفض جزوة النار داخله حتى تعيد إلى النار توهجها فينضج الخبز كما يردن.

أنثر تراب الفرن فى كل اتجاه .. وكنت أحاول أن أبيده من جوف الفرن حتى إذا أتت البنات التى أوصتهن أمى بأهمية تجهيز تراب الفرن لا يجدن هذا التراب ولا يحدث شئ مما ينتون على فعله فى المساء.

يدخل أبى إلى المنزل حاملًا الجلباب الابيض نظيفًا ومكويًا، وبمجرد أن طالعته النسوة فى الداخل حتى انطلقت الزغاريد من كل اتجاه، وبشكل متواصل وتعليل غير عادى وحركة ونشاط يدبان فى جميع أركان المنزل وبدأت رائحة الطبيخ المسبك تعبق المكان كله.

الرجال يتراصون فى الشارع على الكنب الذى تطوع  به الجيران ونثروه فى الشارع أمام منزلنا مباشرة، والنسوة فى الداخل كل واحدة تعلم الدور الذى يجب أن تقوم به فى مثل هذه المواقف وكل واحدة تقوم بمهمتها بهمة وحيوية ونشاط وعلى وجهها ابتسامة عريضة، وقلما جمعتهن الصدف وهى تدخل وتخرج  لأداء عمل معين لأبى أو أمى تهتف فى وجههما: مبروك مبروك.. ظلت كلمة مبروك تتردد بين أفواه جميع المدعوين بلا انقطاع

وأنا في حالة اندهاش لا أعلم ماذا يحدث.. حتى أتى الحلاق الذى كان يصطحبنى إليه أبي مساء كل خميس ليقص شعرى لأصبح نظيفًا لصلاة الجمعة وكان معه معاونه متجهم الوجه الذى كنت أخشاه كثيرًا.

أجلسونى قبالتهم والتف جميع المدعوون حولي في انتظار ماسيحدث…

لمع نصل الموس في عينى عندما كان صاحب ذلك الوجه المتجهم يمد يده به إلي الحلاق والذى تناوله وابتسم في وجهى ثم نظر إلى أعلى وقال لي: هل رأيت مثل تلك العصفورة الجميل؟!

هرولت خلف كلماته لكى أتمتع بالعصفورة التى أشار إليها بينما هو كان يؤدى عمله بمهارة فائقة…

أطلقت صرخة مدوية انبجست معها الدماء التى تناثرت فوق تراب الفرن..

ظللت أصرخ وأصرخ حتى ضاع صراخى وسط تهاليل وتبريكات المدعوين وزغاريد النسوة التى لم تنقطع.

Login

Welcome! Login in to your account

Remember me Lost your password?

Don't have account. Register

Lost Password

Register