الدكتور ناجح إبراهيم يكتب: الإسلام والمسيحية .. اللقاءات السبع
التقي الإسلام مع المسيحية في مواقف رائعة تغمرها الرحمة ويغلفها التسامح والعيش المشترك بل والحماية المتبادلة ,حيث تبادل كل منهما موقع حماية الآخر والذود عنه ضد الاضطهاد,وفي وقت قوة كل منهما كان يمنح الآخر حرية العقيدة والعبادة. ولم يتعكر صفو هذه العلاقة إلا بعد محاكم التفتيش في أسبانيا والبرتغال بعد هزيمة المسلمين فيهما وإصرار ملوك أسبانيا الجدد في طرد عوام المسلمين وقهرهم علي تغيير دينهم ,وتكرر الأمر مرة أخرى حينما أصاب أوربا التعصب السياسي والديني وسيروا أكثر من عشر حملات أوربية مسلحة سميت مجازاً الحملات الصليبية التي استدعاها قسس أوربا بالتحالف مع ملوكها, ليس من أجل دين المسيح الذي لم تعرفه أوربا بحق في يوم من الأيام ولكن من أجل كنوز الشرق واحتلال بلاده الساحرة,وكل الصدامات بين المسيحية والإسلام كانت بين الأوربيين والمسلمين في الشرق ولم يكن الدين أساساً فيها ولكن كانت الأطماع الاستعمارية والسياسية سبباً فيها. أما لقاءات المسيحية والإسلام الكبري في المشرق فكلها رائعة ونخص منها سبع لقاءات هي كالتالي : اللقاء الأول:كان أول تماس تاريخي بين الإسلام والمسيحية حينما قدم رسول الله صلي الله عليه وسلم بصحبة عمه أبو طالب إلي بصرى بالأردن والتقيا براهب بيزنطى اسمه"بحيرى" توسم في رسول الله وهو غلام أن يكون نبياً ، وطلب من أبي طالب أن يحافظ عليه،ولقيه كذلك حينما عاد مرة أخرى إلي الأردن وهو شاب،وكان اللقاء تحت شجرة ما زالت باسقة حتى اليوم وهذه الشجرة هي التي شهدت التأسيس الأول للعيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين بالرحمة والإنصاف والعدل والتسامح . أما اللقاء الثاني :بين الإسلام والمسيحية فكان أروع من الأول وذلك حينما أرسل الرسول"صلي الله عليه وسلم"ثلة من أهم أصحابه إلي النجاشي ملك الحبشة المسيحي وكان علي رأسهم ابن عمه عبد الله بن جعفر,لم يأتمن عليهم ملكاً سوى النجاشي,والغريب أن الرسول "صلي الله عليه وسلم"لم يمدح قبل النبوة ولا بعدها ملكاً مثلما مدح النجاشي إذ بين علة إرسال هذه الثلة الغالية من أصحابه إلي هذا الملك بقوله"اذهبوا إلي النجاشي فإنه ملك لا يظلم عنده أحد"وكأنه يصيح ويهتف في الدنيا كلها أن قيمة العدل أساس وأصل القيم وأغلاها وأعلاها في قيم الحضارات فهي الصانعة والحافظة لكل الحضارات,والبانية للعمران الإنساني علي مر العصور,وهي ممدوحة حينما تصدر من أي كائناً من كان مسلماً أو مسيحياً أو يهودياً أو بوذيا أو هندوسياً,أو شيعياً,أو سنياً. ولم يكذب النجاشي ظن وحدس الرسول فيه فأكرمهم وأحسن وفادتهم ووهبهم الأمان الكامل ورفض كل المغريات والرشاوى والوشايات ونصائح بطانته وحاشيته الذين أغرقهم وفد قريش بالهدايا والرشاوى,كل ذلك فعله حتى قبل أن يسلم,ولعل ما فعله النجاشي وما قاله في حق النبي محمد كان سبباً غير مباشر في إسلام عمرو بن العاص بعد ذلك،فقد سمع عمرو قولة النجاشي التي تكاد تتشابه مع كلمة"برنارد شو"إن أقرب رسالتين لبعضهما هما رسالة محمد والمسيح" لقد حمت المسيحية الإسلام والمسلمين وهم ضعفاء في مهد دعوتهم،ولعل ذلك هو الذي جعل رجلاً قرشياً شديد المراس مثل عمرو بن العاص يعرف فضل النجاشي والمسيحيين في حماية المسلمين في مهد الدعوة الإسلامية ويرد لهم الجميل بعد فتح مصر,ويعرف قدرهم ويؤمنهم ويزيل عنهم اضطهاد الرومان ويكرم البابا بنيامين ويؤمنه ويعيده إلي سلطانه في قيادة الكنيسة المصرية. اللقاء الثالث : حينما نزلت سورة الروم تبشر المسلمين بانتصار الروم علي الفرس عقبت علي ذلك بالآية "وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ" لأن الروم كانوا مسيحيين من أهل الكتاب ولكن الفرس كانوا يعبدون النار ولم يكن لهم كتاب سماوى مثل الإنجيل والتوراة. لقد أرسل الرسول رسالتين أحدهما إلي هرقل ملك الروم والأخري إلي كسرى ملك الفرس فمزق الأخير رسالة الرسول وأمر بالقبض عليه لأنه قدم اسمه عليه في صلف وغرور, أما هرقل فقد تصرف مع الرسالة تعامل الملك الحكيم المتأني فقد سأل عن أقرب الناس إلي الرسول وكان وقتها أبو سفيان فسأله 11 سؤالاً وتلقي 11 إجابة خلص منها صدق النبي وتنبأ بانتصاره وأنه لو لقيه لأتبعه وأنه سيملك موطن ملكه وهذا يبن الفرق بين أصحاب الدين من المسيحيين وبين عبدة النار والأوثان . أما اللقاء الرابع: بين الإسلام والمسيحية فقد تم بين الرسول"صلي الله عليه وسلم"ونصارى نجران"فقد جاء وفد كبير من قبيلة نجران وهي من أكبر القبائل المسيحية المتاخمة وقتها لدولة الإسلام في المدينة,واستضافه الرسول في المسجد وأحسن وفادته وأكرمه وعرض عليه رسالته,وبعد عدة أيام قضاها الوفد في المدينة أعلن رفضه للإسلام وأعلن ترحيبه بالسلام مع النبي ودولته وقبل الرسول"صلي الله عليه وسلم"ذلك ولم يكرههم أو يجبرهم علي شيء وعادوا إلي وطنهم معززين مكرمين. أما اللقاء الخامس: بين الإسلام والمسيحية فكان علي عهد الرسول"صلي الله عليه وسلم"أيضاً وذلك حينما هرب عدى بن حاتم سيد قبيلة"طي"وقبضت جيوش المسلمين علي شقيقته"سفانة"التي استقت الحكمة من أبيها،فلما عرفها رسول الله أكرم وفادتها وزودها بالهدايا وردها إلي قومها لأنه كان يحب"حاتم الطائي"رمز العرب في الكرم,وكان حاتم مسيحياً,وكانت العرب كلها تجله لكرمه الذي كان يضرب به المثل وكان يسوس قومه بالحلم والرفق والجود،وقد حثت سفانة شقيقها حاتم علي الذهاب إلي النبي محمد قائلة له:"فإن كان ملكاً ستكرم عنده وإن كان نبياً آمنت به واتبعته". وبعد زيارة عدى للنبي في بيته المتواضع الذي لم تكن عليه حراسة ولا بطانة ولا خدم ولا برستيج وفيه وسادة واحدة أجلسه عليها الرسول عليه السلام وجلس وهو رئيس الدولة والدين علي الأرض فأيقن أنها النبوة. اللقاء السادس::حينما أرسل الرسول "ص"رسالة إلي المقوقس حاكم مصر"قيرس"فقبل الرسالة وأهدى الرسول السيدة"ماريا القبطية"أي المصرية"ضمن هدايا أخري فتزوجها الرسول"صلي الله عليه وسلم"لتتم المصاهرة بين الإسلام والمسيحية من جهة وبين النبي ومصر من جهة أخرى. أما اللقاء السابع: فكان علي أرض مصر بعد أن فتحها عمرو بن العاص فلم يهدم كنيسة أو يعتدي عليها أو يكسر صليبا أو يهيج أو يفزع راهباً , بل مر جيشه إلي جوار كل الأديرة والكنائس فأمن رهبانها وقسسها وأعاد البطريرك بنيامين إلي سلطته ورد الجميل للمسيحيين الذي أكرموا وفادة مهاجري الحبشة وكان هو أحد شهود الواقعة قبل أن يسلم.
نقلا عن الشروق