الذكرى الـ40 لانتفاضة الخبز «ثورة شعبية لم تُكتمل»..«تقرير»
كريم جابر
قرر الرئيس الراحل أنور السادات اتخاذ مجموعة من القرارات الأقتصادية «الحاسمة والضرورية»,كما أشار حينها,والتي تهدف إلى خفض العجز في ميزان المدفوعات، وذلك تحت ضغط الصندوق والبنك الدوليين، من أجل توقيع إتفاق معهما.
وفي مساء يوم 17 يناير 1977 كلف السادات, عبد المنعم القيسوني,نائب الوزراء ورئيس المجموعة الاقتصادية,أن يعلن القرارات أمام مجلس الشعب.
وكالعادة,و دون جديد, يتحمل الفقراء والمُهمشون من المصرييون, نتائج القرارات التي تأتي بنتائج عكسية ومُخيبة لآمالهم, في العيش والحرية وكرامة الإنسانية والعدالة الإجتماعية,بالفعل زادت الأعباء المالية إلى 500 مليون جنيه, وكان على السلطة حينها رفع السلع الضرورية والأساسية كافة من الدقيق والسكر والبنزين والسجائر واللحوم والشاي والأرز والملابس بنسبة تقترب من 50%.
ولم يستسلم الملايين من أبناء الشعب المصري العريق, للغلاء المُبالغ فيه,وعقب مرور يوم واحد, جاءت انتفاضة الخبز، يومي 18و19 يناير، التي خرج فيها المواطنين في جميع المحافظات لإعلان رفضهم للقرارات الاقتصادية التي اقرها السادات وحكومته, وأدت لزيادة الاسعار ،وقامت السلطة حينها بفرض حظر التجوال, وأُعتقل الآلاف من المتظاهرين, ،وجاءت هذه الانتفاضة لإجبار الرئيس الراحل على التراجع عن قرارات زيادة الأسعار بعد إعلان حظر التجوال ونزول الجيش للسيطرة على الاحتجاجات, و لكن للأسف تطورت الأمور لأعمال تخريب وسرقة ونهب عدد من المحال التجارية والملاهى الليلية والفنادق والمؤسسات.
يمر اليوم 40عاماً على الانتفاضة التي عُرفت باسم انتفاضة الخبر, وعلمها العالم أجمع,و وقف أبناء الشعب بقوة أمام نظام السادات, وكتبت الصحف المُعارضة إبان عهد الرئيس الراحل, مانشتات تُندد بالزيادة, وأن الشعب رفع راية العصيان في وجه السلطة, وأطلقت عليها انتفاضة شعبية, فيما أصر بطل الحرب والسلام, على تسميتها بانتفاضة الحرامية,وذلك حتى آخر يوم في حياته.
نجل «القيسوني»..شاهد على العصر
وفي هذا السياق يقول الدكتور محمود عبدالمنعم القيسونى، خبير السياحة البيئية العالمى، والنجل الأكبر للدكتور عبدالمنعم القيسونى, أن الإعلام كان له دوراً كبيراً في قيام الانتفاضة اشتعالها, مُعللاً ذلك بإخفائه للحقائق على الشعب.
ويضيف: كنت أعمل كضابط بالجيش وكنت مسئولاً عن زيارة وزير الدفاع الفرنسي لمصر, وعقب انتهائي من العمل في هذا اليوم, ذهبت لمنزلي للخلود للنوم,وعلمت حينها أن هناك تظاهرات بسبب القرارات الاقتصادية التي اتخذها الرئيس الراحل, وفي الليل جاء ليّ أحد زملائي الضباط ووجدته مصاباً في رأسة, وفي هذه اللحظات هاتفني أحد أصدقائي وأخبرني أن والدي يُجري حواراً تلفزيوناً, وحينها استشعرت الخطر على البلد.
ويُكمل: شاهدت بعض من الحوار, وكان والدي غاضباً بشدة, بسبب تحيز المحاور لطرف على حسب آخر, فذهبت إلى مبنى التلفزيون حتى أقوم بتوصيله للمنزل, لأنه كان في حالة إرهاق شديدة,وكان المشهد لا يكاد أن يوصف, وكان هناك انتشار مُكثفاً لرجال الأمن أمام المبني, وأخبرني أحد الضباط بأن والدي ليس بالداخل, وأن اللقاء تم تسجيله نهاراً.
ويتذكر الدكتور محمود أن الحوار أتى بثماره, ولكن كان هناك بعض من القوى المعارضة في مواقع العمال أثارت الغضب مرة أخرى,وتجددت المظاهرات,بحسب قوله.
ويشير نجل نائب رئيس الوزراء الأسبق للشؤون الاقتصادية, إلى أن الأخير أخبره أن المصالح والأهواء الشخصية هي التي حكمت مجلس الشعب, وللأسف لم يتحلى المجلس حينها بالوطنية,بحسب وصفه.
ونعود لبداية حكم السادات فى السبعينيات، طالب الشعب المصرى بالتقشف، من خلال كلماته: «شدوا الحزام، فإن خزائن مصر خاوية بسبب النكسة، وعلينا إعادة بناء الجيش»، وقتها اتبع المصريون سياسة شد الحزام.
وأقبل الشعب حينها على التقشف دون اعتراض أو رفض أو حتى تذمر، لرغبتهم فى رد الاعتبار وتحرير الأراضى والانتهاء من الاحتلال الصهيونى، فتحملوا الإجراءات التى فرضتها الحكومة وقتها، فى سبيل إعادة بناء الجيش والنصر.
ويقول أحد المواطنون وهو شاهد على العصر,أنه لم يكن هناك أى مبرر سياسى أو اقتصادى لاتخاذ مثل هذا القرار المفاجئ من جانب الحكومة فى عهد السادات برفع الدعم وزيادة الأسعار، إلا رغبتها فى إقناع مسؤولى صندوق النقد الدولى.
ولم تنتج سياسات السادات الاقتصادية جدواها، فلم يتخلص المصريون بعدها من ظروفهم المعيشية الصعبة، بل ونظرًا لسياسة الانفتاح حينها، والتى تلاه الفساد فيما بعد، ساهم ذلك فى خدمة الأغنياء على حساب الفقراء ومتوسطى الدخل، ولم تقف تضحيات الشعب المصرى وسياسات التقشف.