الرحلة كاملة.. الحريري من بيروت إلى الرياض إلى باريس
دعا الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الاربعاء رئيس الوزراء اللبناني المستقيل مع عائلته للقدوم إلى فرنسا مؤكدا بان هذه الدعوة لا تمثل في أي حال من الأحوال لجوءا سياسيا او منفا.
وتبدو دعوة ماكرون للحريري في هذا الظرف بالذات وكأنها وسيلة لتمكين سعد الحريري من مغادرة السعودية حيث يتواجد فيها في ظروف غامضة منذ اعلانه استقالته بشكل غير متوقع قبل 11 يوما خلال خطاب بث من السعودية.
ووسط هذا الجو الدبلوماسي الغريب، أثيرت عدة مخاوف في المنطقة من ان تكون السعودية قد فرضت على سعد الحريري البقاء في المملكة غير أنه وفي مقابلة تلفزيونية على قناته “المستقبل” أكد سعد الحريري انه غير محتجز في المملكة.
السعودية التي تعتبر الراعي الرسمي للحريري في لبنان، تكثف جهودها منذ مدة لمواجهة النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة، واعتبرت استقالة الحريري جزءاً من تلك الاستراتيجية لمواجهة نفوذ إيران وحليفها في لبنان، حزب الله، الذي يشارك في الحكومة الائتلافية التي يترأسها الحريري منذ قرابة السنة.
بهاء الحريري يخرج عن صمته
في نفس اليوم، الأربعاء ولأول مرة منذ بداية الأزمة، أدلى شقيق الحريري الأكبر، بهاء الدين، الأربعاء، بتصريح أيد فيه استقالة شقيقة سعد، كما أعرب عن شكره للسعودية على دعمها للبنان، مجدداً الحديث عن سعي إيراني للسيطرة على لبنان. وأظهر بهاء الدين الحريري حماسا أكبر من شقيقيه خلال تأييده للخط السعودي في مواجهة إيران وحزب الله.
وأعرب بهاء الحريري في بيان لصحيفة “اسوشييتد برس” من موناكو عن شكره للسعوديين على ما وصفه ب “عقود من الدعم” للبنان وقال ان إيران وحزب الله الشيعي اللبناني وحزبه السياسي يحاولان “السيطرة” على البلد.
وجاءت الدعوة الفرنسية وتصريحات بهاء الحريري في الوقت الذي عززت فيه الحكومة اللبنانية مع الاتحاد الاوروبي وعدة دول اوروبية وغربية الضغط على السعوديين ليفهموهم ان سعد الحريري حر في مغادرة بلادهم متى شاء.
الدور القيادي لفرنسا لحل الازمة
وبينما سارع الدبلوماسيون في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأوسط إلى إيجاد وسيلة للخروج من الأزمة، لعبت فرنسا دورا قياديا. ففرنسا لديها علاقات وثيقة مع لبنان، المستعمرة السابقة وصديقة لعائلة الحريري.
غير ان الدعوة الفرنسية التي أعلن عنها بلهجة صارمة مساء الاربعاء من قصر الاليزيه، اثارت المزيد من التساؤلات.
فمن جهة، تمحورت التكهنات في لبنان حول أن فرنسا تقترح على سعد الحريري المنفى السياسي، ما نفاه إيمانويل ماكرون في وقت لاحق امام الصحفيين، بقوله أنه لم يدعو الحريري إلى الحياة في “المنفى“، ولكن الدعوة تتعلق بزيارة لبضعة أيام، ولكن الحقيقة أن تقديم مثل هذه التوضيحات أثار الكثير من الشكوك بالنظر إلى غرابة الموقف.
واوضح بيان الإليزيه أنه “بعد بحث مع ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان ورئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري دعا رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون سعد الحريري وعائلته الى فرنسا”.
بالنظر إلى هذه المعطيات تساءل رواد مواقع التواصل الاجتماعي هل أن سعد الحريري يتصرف بحرية؟ ولماذا يحتاج ماكرون للحديث مع ولي العهد قبل إصدار الدعوة؟
الدعوة الفرنسية لم توجَّه إلى الحريري فحسب، وإنما شملت عائلته كذلك، وفي قراءة ما بين سطور الدعوة فإنه يمكن القول إن باريس ستكون “منفى سياسياً للحريري“، خاصة وأن رئيس الحكومة اللبنانية المستقيل كان قد كتب تغريدة على مواقع التواصل الاجتماعي، قال فيها إنه سيعود إلى لبنان قريباً ولكن عائلته ستبقى بالسعودية، الأمر الذي أثار المخاوف من أن تكون أسرة الحريري احتجزت كرهينة لدى سلطات المملكة السعودية.
كما أشار بيان الرئيس ماكرون إلى الحريري كرئيس للوزراء، مقترحا أن فرنسا، مثل لبنان، لا تعتبر استقالته في وقت سابق من هذا الشهر صحيحة.
من جهته الرئيس اللبناني ميشال عون، الحليف السياسي لحزب الله، اتهم السعودية الأربعاء بأنها قامت بعمل معاد ضد لبنان، مؤكدا أنه طلب مساعدة مبعوثين من الدول الأعضاء في مجلس الأمن، وأن الحكومة اللبنانية تعتبر الحريري معتقلاً، وهو أمر يشكل انتهاكاً للقانون الدولي.
مساع ديبلوماسية حثيثة وتصريحات غريبة
بعد هذا التصريح بوقت قصير، قال الحريري في تغريدة له على تويتر “أنا بخير وجيد”.
واعلنت فرنسا عن دعوة الحريري الرسمية في الوقت الذي استهل فيه وزيرها للشؤون الخارجية جان إيف لودريان زيارة غير معتادة إلى السعودية مدة يومين، حيث التقى ولي العهد محمد بن سلمان الذي يسير البلد.
وقام المبعوث الديبلوماسي الفرنسي بزيارة الحريري رفقة سياسيين اوروبيين آخرين.
وتقول “نيويورك تايمز” إن السعودية تملك سلطة مالية وسياسية كبيرة على أسرة الحريري التي تحمل جنسية المملكة، بالإضافة إلى اللبنانية، كما أن للأسرة مصالح تجارية كبيرة في السعودية، ويعتمد الحريري على دعم الرياض في لبنان.
وقال الحريري في بيان استقالته إنه يخشى على حياته في لبنان، مما يعني أن إيران وحزب الله قد هددته فيما تؤكد السلطات اللبنانية انها لا تملك معلومات عن مؤامرة ضد الحريري.
وقد اختير سعد الحريري، المفضل لدى الأب الراحل رفيق، ليتولى الإمبراطورية السياسية والإدارية للأسرة على الأخ الأكبر، بهاء، مما أدى إلى تأجج الاستياء بين الشقيقين.