راديو

رئيس مجلس الإدارة
منال أيوب

رئيس التحرير
محمد الاصمعي

نسخة تجريبية

الريشة!

بقلم: العميد محمد سمير

فى قديم الزمان قرر أحد الرجال السفر إلى بلدة أخرى غير التي نشأ بها طلبًا لحياة أفضل ورزق أوسع.. فأحضر جمله، وبدأ في تحميل متاعه على ظهره حتى حملة بأمتعة كثيرة تحتاج إلى عدة جمال لحملها.

وقبل أن يهم بالمسير.. تذكر أنه نسى ريشته الصغيرة الملونة التي أهداها له والده، منذ أن كان طفلًا صغيرًا، فعاد أدراجه وبحث عنها إلى أن وجدها، ثم وضعها داخل متاعه الكبير الجاثم على ظهر الجمل.. لكن المفاجأة أن الجمل لم يتحمل هذا الحمل البسيط، وانهار ووقع على الأرض.

نظر الرجل مصدومًا إلى الجمل وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة وصاح مندهشًا:

"كيف تستطيع ريشة صغيرة أن تفعل هذا بجمل قوى مثله"؟!.

لم يدرك الرجل أن معاناة جمله كانت قد بلغت ذروتها وحدها الأقصى، وأنه لم يكن من المناسب أبدًا أن يضع على ظهره أي حمل إضافي آخر، حتى وإن كان في وزن ريشة صغيرة.. مع الأسف لم يتفهم أن ما قصم الظهر هو الحماقة والتحامل، والنظر إلى الأمور بعين تفتقر إلى الإحساس والفطنة وحسن التقدير والتدبير.

وكثير من الناس -مع الأسف- يقع في مثل هذا المأزق لأنه يتعامل مع الأمور ببلادة شديدة وعدم وعى واهتمام، فيجد نفسه قد خسر كل شىء في لحظة خاطفة.

فهذا رجل قد وهبه الله عائلة طيبة رائعة، فلا يشكر نعمة الله ويتعامل معها بقسوة ولا مبالاة إلى أن تأتى اللحظة الحاسمة التي تنهار فيها حياته بسبب "القشة التي قصمت ظهر البعير"، وهذا رجل أكرمه الله بصديق وفى، مخلص، ولكنه لم يحفظ حق الصداقة إلى أن تجىء القشة التي تعصف بالزمالة والأخوة، وهذه امراءة رائعة طيبة القلب، جمعها الحب الصادق بزوج مثلها، ولكنها سريعة وشديدة الغضب، وحينها تنقلب إلى شخص آخر لا سقف لحدود غضبه، وبتكرار تطاولها  العنيف تأتى القشة التى يستحيل معها استمرار العشرة، لأن التطاول يهدم الإحترام، ويسحق الكرامة.. يقول "وليم شكسبير":

"لن تموت اذا خسرت من تحب، لكنك ستعيش كالميت إن خسرت كرامتك".

ويقول الشاعر العربى الحكيم:

إن الكرامة إن هانت على رجلٍ

أمسى كهيئة من يحيا على العلفِ

ظن الحمار وكل الناس تركبُهُ

أن المعالفَ فيها منتهى الترفِ

ما أجمل الموت إن يُطلَب فِدى شرفٍ

وأقبح العيش إن أضحى بلا شرفِ

ويقول أيضًا:

أََهجُرُ قصور الذل لو هى من ذهب

وأَسكُن بيوت العز لو كانت خراب

هذه القشة الصغيرة يمكن أن تكون كلمة عابرة، أو سلوكًا تافهًا، لكنها قاصمة لأنها أتت فوق ظهر قد أثقلته فترة طويلة من الصبر والتحمل والمعاناة، لذلك يقولون أن "لكل شخص طاقة على التحمل".

لا يوجد خارقون في الحياة، ربما تتفاوت قدرتنا على التحمل، لكن من المؤكد أن هناك لحظة ما يمكن أن ينتهى فيها كل شىء.. ويمكن لكل إنسان أن يتجنب الوصول إلى هذه اللحظة إذا لم يستخف بالصغائر التي تتراكم فوق ظهر العلاقات حتى تثقلها.. فلننتبه قبل أن نقول، ونفكر قبل أن نفعل، ونصلح سريعًا من عيوبنا حتى لو اضطررنا للجوء إلى المتخصصين، لكى لا نصل إلى مرحلة "القشة التي قصمت ظهر البعير".

نقلًا عن فيتو

Login

Welcome! Login in to your account

Remember me Lost your password?

Don't have account. Register

Lost Password

Register