السيرة "العلوية" في مصر
محمد علي "ملك التوازنات".. ومنفذأشهر مذبحة في التاريخ
قال إن مذبحة القلعة كانت ضرورة لإنقاذ مصر.. ولقبوه بـ"القاسي الحكيم"
محب فهمي :
محمد علي مؤسس مصر الحديثة الإسكندرية وتطور الزراعة والصناعة والتجارة والأحداث التاريخية والشخصيات من عام 1805 وقت تولي محمد علي وحتى قيام ثورة 1952 سوف نستعرض سريعا ما كان موجود قبل محمد علي باشا من معالم ونذكر مجهودات الجاليات الأجنبية التي دعاها محمد علي للاستثمار والتملك في مصر ونخص الإسكندرية بالنصيب الأوفر، الإسكندريةفي نهاية القرن الثامن عشر وقلعة قايتباي بالأنفوشي وقلعة أبي قير ومجموعة من المقابر وساحلنا الممتد من رأس التين حتى أبي قير وبعض دور العبادة من معابد يهودية وكنائس مسيحية ومساجد إسلامية، ومجموعة من الصيادين.
عام 1789 ميلادية كان الأتراك يسيطرون على مصر وكانت الأحوال سيئة ولقد حرمت الدولة العثمانية الملاحة ومرور التجارة بالبحر الأحمر لقرب الأراضي المقدسة منه وبالتالي لا تمر سفن أوروبية غير إسلامية وعمت مصر الفوضى والاضطرابات والفتن، والسلب والسطو وانقسم المجتمع إلى جماعات متناحرة والقوى الحاكمة تتمثل في القاسمية: نسبة إلى قاسم بك، الفقارية: نسبة إلى ذو الفقار بك، العلوية نسبة إلى علي بك الكبير ، المحمدية نسبة إلى محمد بك أبو الدهب ، المرادية نسبة إلى مراد بك، الإبراهيمية نسبة إلى إبراهيم بك ، وتواكب في ذلك الوقت ظهور عمر مكرم ومشيخة الأزهر والذين أدركوا أن "موت الشعب منشؤه الانقسام".
في 19 مايو 1798 أبحر نابليون بونابرت من ميناء طولون قاصدا مصر بعد أن كان استأذن الباب العالي بحجة انتزاع مصر من يد المماليك، وترسيخ اقدامالأتراك واصطحب في حملته مهندسين وعلماء كثيرين منهم بلزاك وسيسلوشابرول ولوبير، ومونج وجومارد، وعلى الكفة الأخرى عهدت انجلترا إلى أمير البحار نلسون بالإبحار لمصر وسبقه نابليون إلى الإسكندرية وعلم السيد محمد كريم محافظ الإسكندرية وأبلغ الحصون المصرية والتحم نابليون مع الجيش المصري بالاسكندرية ووقتها لم يكن لمصر جيشا وكانت قوة الدفاع عن الإسكندرية جنود مكونة من "أتراك وشراكسة وزنوج وبدو"، بعدها زحف جيش نابليون للقاهرة واكتسح قوة المماليك، في موقعة إمبابة وعاد نابليون للإسكندرية وفي شهر أغسطس وقعت معركة أبي قير البحرية بين الأسطول الإنجليزي بقيادة نيلسون والأسطول الفرنسي وعلى هذا إثر هذه المعركة، أرسل الباب العالي محمد علي من قولة مسقط رأسه على رأس مجموعة مكونة من 300 فرد إلى مصر وقتها تصادف مقابلة محمد علي بعراف كبير في السن أخبره أن "الطريق أمامك طويل ولكنه يقودك إلى العلا".
وعاد نابليون إلى فرنسا وأوكل الحملة إلى كليبر والذي أغتيل في 14 – 6 –1800م بيد السوري سليمان الحلبي والذي قبض عليه وحوكم وأعدم بالخازوق وتولى القائد مينو الحملة بعد مقتل كليبر، وفي عام 1801 ميلادية تشكلت قوة دولية تمثل بريطانيا مكونة من جنود ألمان وايطاليون وألبانيون وهنود وأتراك وتم التفاوض مع الحملة الفرنسية للجلاء عن مصر وتم الجلاء وبعدها بايع مشايخ الأزهر والشعب محمد علي واصعدوه للحكم وأدرك محمد علي أن الحفاظ على السلطة يتطلب القسوة الحكيمة معادلة صعبة أن يكون الحاكم مرهوبا محبوبا لا مكروها، وعلى الحاكم العبقري أن يشغل الرعية بحسن الإدارة والعمل وأطلق على محمد علي أنه أستاذ التوازنات وكان يدرك أن شر الملوك المخادع وأنه لا أخلاق في السياسة وكذلك أن البحر الهادئ لا يضع بحارا ماهرا ولقد منحته انجلترا ميدالية ذهبية اعترافا منها بأنه نصير العلم والتجارة والنظام في حماية الرعايا ومصالح الدول وذلك بتأمين ملاحة البحر الأحمر .
عام 1807 ميلادية في شهر مارس انطلقت حملة فريزر على الاسكندريةواتجهت في 29 مارس 1807 قوة مكونة من 1400 جندي للاستيلاء على رشيد وأخبرنا المؤرخ الجبرتي أن أهل رشيد كانوا منتبهين وتم دحر القوة الغازية ولقد تيقظت الروح الشعبية بايحاء واليها العظيم وقال عبارة خالدة "كثيرا ما لبس لبس ثعلب ودائما لباس الأسد" فحكمة محمد علي أنه قضى على العثمانيون بالمماليك وعلى المماليك بالألبانيين وعلى الألبانيين بالمصريين.
وفي أول مارس 1811 ميلادية "مذبحة القلعة" ودعا محمد علي 470 مملوك إلى حفل بالقلعة فحضروا مرتدين افخم الثياب ومتقلدين بأجمل أسلحتهم وممتطين صهوات جيادهم الأصيلة ودخلوا من باب العرب وهرعت الجماهير لمشاهدتهم وكان بريق الدهب والفضة والحراير الملونة المتألقة في ضوء أشعة الشمس واستقبلهم محمد علي بكل حفاوة وقدم لهم القهوة طبقا للتقاليد وبعد انتهاء مراسم الاستقبال أغلق باب القلعة وانهال عليهم وابل من القذائف وصارت اجسادهم كتل من اللحم تسد الطريق ولم ينج منهم أحد سوى فرد واحد يدعى أمين بك قفز بحصانه من سور القلعة على ارتفاع خمسون قدم ويؤكد هذا الحدث المؤرخ فولابل,.
ونأتي لتقييم هذا العمل القاسي، هل كان محمد علي مجرما ، لا ، اذا عرفنا أن مصلحة مصر كانت الرائدة فلقد كان هؤلاء المماليك ينهبون ثروات مصر ويسفكون دماء أبنائها فكان يتحتم القضاء عليهم لصالح الجميع وهو قال: فليسامحني القادر على كل شئ ، أني أعرف أن هذه مذبحة وهو أمر فظيع ولكن كان يجب سفك هذه الدماء التي كان مقدر لها ذلك لانقاذ مصر، وقتها قال المؤرخ الجبرتي: أتت الحملة الفرنسية ورحلت ومن العجيب ان العبيد الذين اتى بهم المصريون يقصد المماليك ليخدموهم تجبروا وصاروا يحكموهم.
عام 1812 كان ن يجيد القراءة والكتابة حوالي 200 فرد لذا ادرك محمد علي أهمية التعليم وكان هو القدوة اذا أقدم على تعلم الكتابة والقراءة وهو في الأربعينات عام 1816 ميلادية ، بدأ عصر العلم وتم انشاء مدرسة المهندس خانة بالقلعة وقام بعد ذلك بنقلها عام 1834 إلى بولاق ، ونأتي بنبذة قصيرة عن "محمود حمدي" والذي أصبح اسمه فيمابعد "محمود باشا الفلكي" وهو مواليد طنطا عام 1815 ميلادية وأتى للإسكندرية عام 1824 وحصل على الابتدائية عام 1834 والتحق بمدرسة المهندسخانة بالقاهرة وسافر بعثة إلى فرنسا 1850 وعاد عام 1859 ودرس الفلك وفتح رتبة الباشا وعاد للإسكندرية ينقب مستعينا بكتاب وصف مصر الذي تركه المصريون وكان يأمل في العثور على قبر الإسكندر ولم يوفق ورسم بعض الخرائط وتوفي عام 1855 عن عمر يناهز 70 عام أي منذ حوالي 140 عام حدثت خلالها أحداث كثيرة واختراعات لم يشاهدها.
انتظروا الحلقة الثانية من السيرة "العلوية".. العدد القادم