الشرق الأوسط على طاولة ترامب وبوتين في القمة المنتظرة ..تقرير
تنعقد القمة المقررة منتصف الشهر الجاري في "هلسنكي"، بين الرئيسين؛ الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، بعد أن نجح مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، خلال زيارته إلى موسكو، في ترتيب جدول أعمال القمة، التي يبدو أنّها ستناقش كافة القضايا موضع الاهتمام المشترك؛ أمريكياً وروسياً، من قضية التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، مروراً بالاتفاق مع كوريا الشمالية، والقضايا المرتبطة بالصين ودورها في الاقتصاد العالمي، إضافة لقضايا مرتبطة بأوروبا ودورها، وقضايا مرتبطة بأزمات الشرق الأوسط.
سياقات القمة تعقد في ظلّ متغيرين دوليين هما: أولاً: تفهّم أكبر يتعمق في أوساط أمريكية بأنّه لا يمكن لأمريكا تحقيق أهدافها في كثير من المناطق في العالم، دون تفاهمات مع روسيا، في ظلّ حضور روسي بقيادة بوتين، أعاد إنتاج القطبية الدولية، وإن كانت ليست بالصيغة التي كانت قائمة قبل انهيار الاتحاد السوفييتي، رغم بعض الأصوات الأمريكية التي ترفض سياسة التفاهم مع روسيا، وتصرّ على ممارسة ضغوط على القيادة الروسية دون تقديم تنازلات.
وثانياً: قيادة أمريكية ممثلة بترامب تؤمن بمقاربات "الصفقات" لتحقيق الأهداف الكبرى، توازيها قيادة روسية ممثلة ببوتين، تشاطر ترامب هذا الفهم باعتماد الصفقات وسيلة لتحقيق الأهداف، وهو ما يعزز احتمالات تحقيق اختراقات بهذه القمة وخروجها بصفقات سيكون بعضها علنياً، وبعضها الآخر سرياً.
ما يعنينا في الشرق الأوسط ثلاث قضايا، من المرجح أن تكون على طاولة مباحثات الرئيسين، هي: القضية السورية بما فيها الحلّ السياسي المستقبلي، والدور الإيراني في سوريا، وقضية إيران وسياسات الإدارة الأمريكية الهادفة لإجبار الجمهورية على التراجع عن سياساتها الداخلية والخارجية، والقضية الفلسطينية وما يمكن أن تسهم به روسيا في "صفقة القرن"، ورغم أنّ مؤشرات كثيرة تدل على أنّه تم إنجاز الكثير من التفاهمات بين الجانبين حول تلك القضايا، إلا أنّه يرجح أن يتم تثبيت تلك التفاهمات وتوثيقها والبحث فيها بعمق أكبر.
ففيما يتعلق بالقضية الأولى، وهي القضية السوري: فبعيداً عن أجواء المعارك، وما يبدو أنه تعارض في المشروعين؛ الروسي والأمريكي في سوريا، إلا أنّ التقاطعات بين الجانبين أكبر بكثير مما يرشح على السطح، مما يبدو خلافات، والتقاطع الأول الذي تمّ إنجازه بعد تحولات في المواقف الأمريكية؛ هو الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، خاصة الجيش السوري، والثاني الحفاظ على المصالح الإسرائيلية ومتطلبات الأمن الإسرائيلي، والثالث تصورات مشتركة لشكل ومضمون الدولة السورية الجديدة، يبدو معها أنّ الموقف من دور ومستقبل الأسد هامشياً، ورابعاً وهو الموقف الروسي الجديد المتضمن التوافق مع المطلب الإسرائيلي الأمريكي بإخراج إيران من سوريا.
التطورات في سوريا تشير إلى أنّ صفقة أمريكية روسية تمّ إنجاز المراحل الأولى منها، جوهرها موافقة أمريكية على إطلاق يد روسيا في سوريا، والتعهد بإنهاء الدعم الأمريكي للفصائل المعارضة فيها، مقابل تعهدات روسية بإخراج إيران من سوريا، وتمكين الجيش السوري من الانتشار في درعا، وحماية الحدود مع الجولان المحتل، ولن تتوقف الصفقة عند هذا الحدّ؛ بل ربما تصل إلى الاتفاق على شكل ومضمون سوريا الجديدة، بدولة علمانية فدرالية، سبق أن طرح الروس دستوراً مقترحاً لها، يضمن تحقيق مطالب حلفاء أمريكا من الأكراد، رغم اعتراض الحليف التركي على ذلك، الذي يرجح أن يقبل بذلك، مقابل ضمانات ستوفرها موسكو وواشنطن له، علماً بأنّ تركيا وإيران تتقاسمان التحالف مع القيادات الكردية في منطقة الحكم الذاتي بكردستان العراق، غير أنّ الأهم في هذه الصفقة أنها ربما تصل إلى ترتيبات لاستئناف مفاوضات السلام السورية الإسرائيلية، وعلى أساس ما يعرف بـــ "وديعة رابين"، التي ستؤمّن لروسيا دوراً جديداً، كان غائباً عند إنجازها.
أما فيما يخص القضية الثانية، وهي الملف الإيراني؛ فمن باب أولى تكرار الحقيقة التي تقول إنّ الطرفين؛ الإيراني والروسي يتعاملان مع بعضهما في إطار براغماتية، قاسمها المشترك إظهار قدراتهما بهذه العلاقات على مساومة الولايات المتحدة، في أية مفاوضات معها، أمريكا ستطالب روسيا في القمة بممارسة ضغوط على إيران لإجبارها على القبول باشتراطات ترامب، التي تستجيب لمطالب إسرائيل، وحلفائها الخليجيين، الذين ترتبط روسيا معهم أيضاً بمصالح أكبر من مصالحها مع إيران، ومن المرجح أن تحقق أمريكا اختراقات مع الجانب الروسي، فيما يخص الملف الإيراني، تحديداً حول أذرعها في المنطقة، خاصة إذا ما كانت الصفقة مقابل توقف أمريكا عن الضغط على روسيا، لإنهاء قضية ضمّ روسيا للقرم، أو الضغط على أوكرانيا لإنجاز تفاهمات تضمن المصالح الروسية، إلا أنّ قدرة روسيا على تحقيق نجاحات بالضغط على إيران ستبقى موضع تساؤلات وشكوك، خاصة إذا ما قررت إيران التفاوض مباشرة مع أمريكا، على طريقة كوريا الشمالية، رغم أنها بقيت مستندة على الظهر الصيني.
وفي القضية الثالثة، وهي "صفقة القرن" وعملية السلام مع إسرائيل؛ فإنّ روسيا بوتين ليست الاتحاد السوفييتي "الرجل المريض"؛ إذ إنّ عملية السلام، منذ أوسلو وحتى اليوم، تمّت في ظلّ غياب دور روسي مؤثر، فيما يجري الحديث اليوم عن تلك الصفقة في ظل روسيا منافسة، تستطيع أن تقدم الكثير في ظل علاقات عميقة مع كافة الأطراف المعنية، فلسطينياً وعربياً وإسلامياً، بما في ذلك العلاقة الوثيقة مع دول الخليج ومصر والأردن والسلطة الفلسطينية وتركيا، ودون أن يعني ذلك التساوق بشكل كامل مع الرؤية الأمريكية، وهو ما سيشكل سنداً للموقف العربي.
بالخلاصة؛ القمة ذات أهمية خاصة لملفات الشرق الأوسط، ومن المؤكد أن ترجماتها العلنية والسرية ستظهر في القريب العاجل، بعيد انعقادها، وفي فترة وجيزة جداً، ولن تتجاوز عناوين الصفقات المنفصلة والمتصلة؛ فالتغيرات والتحولات في المنطقة متسارعة، واحتمالات قرارات صادمة واردة وبقوة، ففي مقاربات الصفقات لا توجد ثوابت بالمطلق، فلننتظر.