اللامركزية والطاقة المهدرة!
بقلم: محمد سمير
أؤمن إيماناً راسخاً بالحلول اللامركزية لجميع المشكلات، وأرى أنها دائماً ما تكون الأجدى والأسرع والأجود والأكثر خيالاً وإبداعاً والأنسب ظروفاً والأقل كلفة بين جميع البدائل المتاحة، وهو ما دفعنى اليوم إلى تناول أحد الموضوعات المهمة التى أرى من وجهة نظرى المتواضعة أنها تشكل أساساً محورياً وحيوياً يمكن من خلاله أن نوجد حلولاً لامركزية عديدة ومبدعة ومؤثرة لجميع مشكلاتنا، فالإحصاءات الحكومية الرسمية تدلنا على أن ثلثى سكان مصرنا المحروسة تقريباً فى سن الشباب، وهم يمثلون بلا أدنى شك وطبقاً للمعايير العالمية للتنمية البشرية كنزاً هائلاً وطاقة جبارة وكاسحة لم نحسن استغلالها لامركزياً بعد، بل على العكس نجد جميع المحافظات بلا استثناء بدلاً من التفكير فى حلول إبداعية وعملية يمكن من خلالها تحويل طاقات الشباب الخلاقة إلى إنتاج تنموى واجتماعى وثقافى غير مسبوق داخل نطاق المحافظة، نجدها تعتمد على الحكومة- المكبلة أساساً بالعديد من الأعباء والتحديات- اعتماداً كلياً فى هذا الشأن، وهو ما ينسف فكرة اللامركزية من أساسها، ويحول هذه الطاقات الجبارة إلى طاقات مهدرة كان يمكن لو أُحسن استغلالها وتوظيفها فى إطارها الصحيح أن تخطو كل محافظة خطوات عملاقة نحو تحقيق التنمية المستدامة لمواطنيها، بل وتحقيق الرفاهية لهم على المديين المتوسط والبعيد، لماذا ينتظر دائماً معظم المحافظين أن تبادر مؤسسة الرئاسة أو الحكومة بطرح الحلول فيما يخص الاستفادة من طاقات الشباب؟
ولماذا لا يبادرون هم بأنفسهم بفعل ذلك؟ لماذا لا يبدأ كل محافظ فترة قيادته للمحافظة بعمل مؤتمر موسع للشباب منظم تنظيماً مثالياً، وذى أجندة هادفة، ويمكن من خلاله أن يتعرف على المشاكل الحقيقية للمحافظة بعيداً عن تجميل الأجهزة المحلية والتنفيذية لهذه المشاكل، وكذا يمكن من خلاله أن يتعرف على كل آمال وأحلام وطموحات الشباب فى نطاق محافظته، تمهيداً لتحويلها إلى واقع ملموس من خلال آليات ومشروعات ومصادر تمويل إبداعية، بالتعاون مع العديد من رجال الأعمال الشرفاء والمواطنين الخيرين من أبناء المحافظة؟ لماذا لا تسعى كل محافظة على حدة لأن تنشئ صندوقاً مالياً أو شركة قابضة أو أى كيان قانونى مماثل يمكن من خلاله، ودون تحميل ميزانية الدولة أى أعباء، تمويل مئات الآلاف من المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر للشباب والشابات، والتى يمكن من خلالها حل مشكلة البطالة بصورة لامركزية فى نطاق المحافظة، وكذا يمكن أن تمثل هذه المشروعات قاطرة حقيقية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة التى ننشدها، والتى حققت فيها العديد من الدول نجاحاً باهراً مثل الصين؟
لماذا لا تقوم المحافظات باستغلال طاقات شبابها الجامعى والمثقف فى محو أمية أبناء المحافظة بصورة حقيقية وليس على الورق فقط مقابل مكافآت مجزية، مع الحرص على تكريمهم على نحو لائق وراقٍ؟ لماذا لا تستغل المحافظات طاقات شبابها وخريجيها الذين يتمتعون بالثقافة الواسعة، والمشهود لهم بالسلوك الحميد والخلق الرفيع فى عمل حملات توعية طوال العام تجوب كل شبر من أرض المحافظة، تساهم فى بناء الوعى العام، وترسخ لفكرة تغيير الأنماط السلوكية للمواطنين فى جميع المجالات للأفضل والأحسن، وتنشر الذوق الرفيع والحس الجمالى فى كل بيت، وتسمو بالإنسان وتجعله أكثر إتقاناً وتسامحاً وعدلاً، وتزيل من العقول كل أسباب الغلو والتطرف، وتجعل الظواهر الاجتماعية السلبية، مثل استخدام الألفاظ المسيئة والتحرش… إلخ، إلى زوال؟
صدقونى والله.. العمل اللامركزى المبدع والمتقن والمحدد بجداول إنجاز زمنية فيما يخص الاستفادة من طاقات الشباب سيكون عظيم النتائج بصورة لا يتخيلها أحد.. فقط المطلوب أن نعمل بتجرد وخيال.
نقلاً عن المصري اليوم