المسحراتي.. دقات قلب الليل على أنغام التاريخ
كتب: حازم الطاروطي – مؤمنة نصر
لا يزال المسحراتي بمظهره القديم موجودًا في الأحياء الشعبية إلى اليوم مع إختلاف طفيف، حيث إن عمله يبدأ الساعة الثانية صباحًا يطوف على بيوت الحي مرددًا "يا عباد الله وحدوا الله سحورك يا صايم وحد الدايم".
"زهرة التحرير" التقت ببعض المسحراتية.. وفي البداية يقول عم صبري محمود، أشهر مسحراتي في مركز أبو كبير بمحافظة الشرقية، إنه ينتظر شهر رمضان من العام للعام، فهو شهر البركة والإحسان والخيرات، وأن مهنة المسحراتي قام بها منذ زمن بعيد، فهو ينتمي إلي إحدى الطرق الصوفية، مشيرًا إلى أنه يخرج من بيته كل يوم في شهر رمضان الساعة الواحدة صباحًا بعد إيقاظ أهله ويدق بطبلته وينادي بصوته الجميل الذي ينادى به ويتغنى بالأشعار الشعبية الخاصة برمضان لإيقاظ النائمين، وكانت خطواته تنتظم مع إيقاع طبلته ويطوف الشوارع والأزقة والحارات، وكان عم صبري يقف أمام كل بيت وينادى صاحب البيت باسمه وبأسماء أبنائه.
وأوضح: أن كل أسرة كانت في نهاية الشهر الكريم تنادى عليه لإعطائه "العدية" وإعطائه أجر هذا التعب طوال الشهر، وفى يوم العيد يقوم عم صبري بدق الطبلة أمام كل بيت ليخرج أهل البيت حاملين ما لذا وطاب من كعك وفطرة العيد، ونقود وحلوى، تقديرًا له على التعب الذي عاناه من أجلهم طوال شهر رمضان.
ويختلف الأمر في الريف عن المدينة فـ"عم شندي" أشهر مسحراتي في ريف الشرقية يركب عربية "كارو" يجرها حمار ومعه زوجته ويمسك بطبلته ويدق عليها وينادي بصوت عال "اصح يا نايم وحد الدايم ويستمر في عمله طوال الشهر الكريم".
وفى أيام العيد يذهب إلى بيوت القرية للحصول على الأجر، وكانت الأسر تقدم له الكعك والحلويات والنقود واللحوم والقمح والذرة.
وقد ورثت زوجته "روحية" المهنة عنه بعد وفاته، وأصبحت الآن تقوم بعمله وتصطحب معها أحد أبنائها وتقول إنها تفعل ما كان يفعله زوجها وأن أهالي القرية يقدرون تعبها متمنية أن يظل العام كله رمضان لما فيه من البركة والإحسان وأن يحفظ الله مصر وأبناءها.
وأضاف الحاج محمد عبدالعظيم – 55 سنة – :أقوم بعمل المسحراتي في قريتي جزيرة عليوه – مركز الحسينية منذ سنوات وورثت عمل المسحراتي عن والدي المتوفى واستخدم العصا في الطرق على طبلة كبيرة لإيقاظ المواطنين وقت السحور ويطوف معي الأطفال من حولي وخلفي وأمامي مرددين "اصح يا نايم وحد الدايم" لافتا الى أنه يقوم بعمل المسحراتي، لأنها المهنة الوحيدة التي يسترزق منها، وأصبحت مصدر رزقه الوحيد بجوار المعاش.
وأشار إلى أن هناك بعض الناس يتهكمون عليه بسبب هذه المهنة، ولكنه لم يلق لهم بالاً ولا يهتم بكلامهم، لأنه ينتظر الثواب من عند الله سبحانه وتعالى، مضيفا: أحصل على أجرى فى الدنيا من "سكر وشاي وفلوس وكعك وذرة وقمح وعيش وبعض الناس لا يعطونني شيئًا"، وهذه الأشياء التي أحصل عليها يأتي بها الناس إلى منزلي ولم أطلبها من أحد، ولكن الناس أصبحوا يملكون أموالاً أكثر مما مضى.
وأضاف: لا يمنعني عن مزاولة هذه المهنة ألا المرض، مشيرًا إلى أن معالم الشهر اختلفت كثيرًا فطواف الأطفال وغناؤهم بالفوانيس في شوارع القرية اختفى قليلاً، وكذلك عادات رمضان وتبادل الزيارات وتبادل الأكلات بين الجيران، فالناس حاليًا لا تود بعضها، كذلك السهرات القرآنية في الدوار أو عند العائلات الكبرى بدأت في الزوال.