انقسام ليبي حول الإفراج عن رموز نظام القذافي
انقسم سياسيون ليبيون حيال عمليات الإفراج التي شملت عدداً من رموز نظام العقيد الراحل معمر القذافي، منهم ابنه الساعدي الذي غادر إلى تركيا بعد الإفراج عنه الأسبوع الماضي.
وعد بعضهم أن «صفقة انتخابية» ستتكشف تفاصيلها قريباً تقف وراء القرارات، فيما عدها آخرون خدمة لـ«المصالحة الوطنية» التي يقودها المجلس الرئاسي بقيادة محمد المنفي، والحكومة التي يترأسها عبد الحميد الدبيبة.
وعلى الرغم من أن الساعدي أطلق سراحه بمقتضي أمر قضائي، حتى لو تأخر عامين، رجح عضو مجلس النواب الليبي حسن الزرقاء الرأي القائل بوجود «تحالف» أو «صفقة سياسية» بين خصوم الأمس القريب، معتبراً أن «المصالحة الحقيقة تبدأ بعودة المهجرين والنازحين، وتعويضهم عن نهب وتدمير ممتلكاتهم، إضافة إلى تعميم قرارات الإفراج على كل السجناء المحتجزين من دون سند قانوني، لا أن يكون الأمر حكراً على أنصار تيار بعينه».
وقال الزرقاء لـ«الشرق الأوسط» إن «الصفقة تقضي بإخراج قيادات أنصار النظام السابق من السجون، والقبول بعودتهم إلى الحياة السياسية، شريطة ألا تترشح أي شخصية منهم في الانتخابات المقبلة، أياً كان موعدها، وترك الساحة للمرشح الذي يدعمه الطرف الآخر؛ أي قيادات الغرب الليبي وتيار الإسلام السياسي، سواء كان الدبيبة -إذا استطاع تخطي شروط (خريطة الطريق) التي تحول دون ذلك- أو غيره».
ولفت الزرقاء إلى أن «قيادات النظام السابق سيدفعون مؤيديهم للعزوف عن المشاركة بالتصويت في معركة الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية، فقد يكون لها ترتيبات أخرى فيما بينهم لم تتكشف بعد».
وأطلقت الحكومة سراح الساعدي القذافي، بعد 7 سنوات من سجنه في طرابلس، كما تم الإفراج لاحقاً عن عدد آخر من رموز النظام السابق ومسؤوليه.
ورجح الزرقاء «مباركة» دول كبرى لهذه الصفقة، مشيراً إلى «تزامن قرارات الإفراج، وما لفت إليه مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى جوي هود مؤخراً عن احتمالية وجود فيتو أميركي على ترشح سيف الإسلام القذافي للرئاسة، كونه خاضعاً لمذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية لاتهامه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية». وكان الإعلامي الليبي محمود الشمام قد وصف عملية إطلاق بعض رجال نظام القذافي بكونها «مؤشراً قوياً لاتجاهات الرياح السياسية، وإعادة تموضع سياسي لمختلف الأطراف، استعداداً إما لخوض الانتخابات أو في أسوأ الأوضاع لخوض الحرب».
ورأى عضو مجلس النواب زياد دغيم أن عمليات الإفراج عن رموز النظام السابق «ليست إلا عمليات تنفيذ لقرارات القضاء، وإن تأخرت من قبل المجلس الرئاسي والحكومة الراهنة، مما سينعكس على تعزيز المصالحة الوطنية، خاصة بين أنصار سبتمبر وفبراير»، في إشارة إلى مؤيدي «ثورة الفاتح» التي قادها القذافي في عام 1969، ومؤيدي «ثورة 17 فبراير» التي أطاحته في عام 2011.
وفي إطار تفنيده لما يطرح عن دلالة التوقيت، ورغبة بعض أطراف السلطة الانتقالية في تحقيق مكاسب قبل الانتخابات، سأل دغيم في تصريح لـ«الشرق الأوسط» مَن يتحدثون عن وجود صفقة عن «مدى التزام أنصار القذافي بما تعقده قيادات هذا النظام». وتابع: «كونك مؤيداً لتيار معين لا يعني التبعية والولاء المطلق لقياداته، فالكل لديه مصالح وتوجهاته، ومتى جاء موعد الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية يمكن لأي مواطن ليبي بشكل عام تأييد أي مرشح لاقتناعه بالتوجهات السياسية والحزبية، أو لوجود رابط قبلي وجهوي، أو لتوقعه مصلحة ما تنتج عن انتخابه».
وتابع أن «الناس تنسى دائماً أن من ضمن الحقوق المشروعة للسياسي أن يسعى لتوظيف أي أوراق بيده من أجل تحقيق إنجاز يتعلق بالبلاد ومصلحة أهلها، وحينها يتوقع مكافأته سياسياً على ما أنجز، إما عبر ارتفاع مؤشرات الرضا عن أدائه أو دعمه شعبياً في قرار أو استحقاق». وعد أنه «يحسب للمنفي والدبيبة، محلياً وخارجياً، أنهما نفذا قرارات قضائية معطلة منذ عامين، لم تستطع الحكومة السابقة تنفيذها».
ويعزو دغيم تعاظم الشكوك حول قرار الإفراج إلى «محاولة أطراف عدة توظيفها لصالحها، خصوصاً تيار الإسلام السياسي الذي حاول الإيحاء بضلوع شخصيات منه في التسريع بهذه القرارات، في حين كان هذا التيار هو المعارض الرئيسي لتنفيذ أحكام القضاء بإطلاق سراحهم». أما الأكاديمي الليبي المختار الجدال، فيرى أن تنفيذ الأحكام القضائية التي صدرت بحق رموز نظام القذافي وإن «جاء متأخراً من قبل حكومة الوحدة الوطنية»، فإنه «تم في إطار صفقة ما تدعمها جماعات الإسلام السياسي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «المصالحة الحقيقية تبدأ بعودة نازحين تقدر أعددهم بالآلاف، وليس قيادات معدودة من نظام سابق يتم نقلهم بالطائرات ليلاً تخوفاً من غضب الميليشيات التي تعد القوة الحقيقية في الغرب الليبي». ورأى أن «جماعات الإسلام السياسي تخوفت من أن تظل معزولة بالساحة، أو أن تصطدم بالسيناريو الذي يواجه حليفتهم حركة النهضة التونسية، فقاموا بالتنسيق مع القيادات السياسية بالغرب الليبي، وأسرعوا باتخاذ خطوات مصالحة مع أنصار سبتمبر، وبالتالي فإن الأمر ليس طوعاً، فمرغم أخاك لا بطل».
ولفت إلى أن «كلا الطرفين، سواء جماعات الإسلام السياسي أو قيادات الغرب، يستهدف الحصول على أكبر دعم شعبي للحكومة في الوقت الراهن، وهو ما بدا واضحاً في توقيت إتمام الصفقة قبل يوم أو يومين من موعد جلسة المساءلة البرلمانية، ويستهدفون أيضاً دعم المرشح الذي سيدفع به من قبلهم لمعركة الرئاسة». وأشار إلى أن «أغلب المفرج عنهم ممن عانوا السجون والإبعاد لفترات طويلة هم من أبناء مناطق يتعمق فيها الولاء القبلي، والتزام الأفراد هناك بتعليمات القيادات هو ما يبدو للطرف الآخر في الصفقة رهاناً جيداً».