راديو

رئيس مجلس الإدارة
منال أيوب

رئيس التحرير
محمد الاصمعي

نسخة تجريبية

"بسبب آرائهم" .. تاريخ 4 كتاب نالهم التشويه والتكفير حتى بعد الموت..تقرير

استمر وجه نصر حامد أبوزيد زهيًّا ضاحكًا وهو يتلقى الأسئلة تلو الأخرى، من أحد المحاورين العرب في حواراته الأخيرة قائلا"أبي هو الذي غمس كفي في هذا الموقد المعرفي حينما كان يسرد لي قصص الأنبياء وأنا في الخامسة من عمري، وبالذات قِصَتي يوسف وإبراهيم، وما تنطويان عليه من بعد درامي مؤثر، وكذلك مُدرس اللغة العربية الشيخ عبد العزيز الذي علّمني كيف أكتب؟ ولماذا أكتب؟ وما الغاية من الكتابة؟ وحينما قرأتُ "رادوبيس" نجيب محفوظ أحدثت انقلابًا في ذائقتي، وهكذا توالت الحرائق الأدبية والفكرية والفنية ولم يعد بإمكاني إطفاءها، ولكنني وظّفتها في خدمة المنهج العقلي في التفسير كي أنتج أفكارًا جديدة، ولا أعيد ما سبق إنتاجه".

أبو زيد واحدًا من أهم الرواد الليبراليين في العالم الإسلامي المعاصر، بذل جهودًا مضنية في استخدام علم التأويل لفهم نصوص القرأن، يقول "أبو زيد": "من المؤكد أنّ من يتابع عملي سيجد انتقالات، لا تعني هذه الانتقالات أنني كنت على خطأ ثم صححت، الباحث لا تتوقف عنده الأسئلة، عندما يتوقف عن طرح الأسئلة عليه أن يلف نفسه في كفن وينتظر الموت، لا أتحدث فقط عن كتبي وإنما عن حواراتي مع طلبتي وفي المؤتمرات الجادة، أنا أتعلم كل يوم.. حين أتوقف عن العلم سأشعر أنني أصبحت مريضًا".

ترك وطنه قبل وفاته بعشر سنوات تقريبًا وبالتحديد في ١٩٩٥، بعد أن رفض الدكتور عبد الصبور شاهين، المفكر الإسلامي، والأكاديمي بجامعة القاهرة وأحد أفراد لجنة مناقشة "نصر حامد" في درجة الأستاذية، "شاهين" الذي رفض أبحاث "أبو زيد"، واتهمه بالكفر، وهو ما جعل الأخير يترك مصر، قبل أن يقع عبد الصبور شاهين نفسه في مصيدة "التكفير" بعد أن خاض تجربة إصدار كتاب عنونه بـ"أبي آدم" في أواخر التسعينات، تحدث فيه عن كون نبي الله آدم هو أبو الإنسان وليس أبا البشر، والذين هم على حد وصفه خلق حيوانى في الأصل اصطفى منهم الله "آدم" ليكون أبا للإنسان، وأباد البشر فلم يبق سواه فعدّله وسواه بالنفخ فيه من روحه كما جاء في القران الكريم في قوله تعالى "فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقٍّعوا له ساجدين".

لم يترك نصر حامد غريمه في حاله طيلة سنوات طويله راح يهجوه بكلمات من شأنها التقليل من الدكتور الجامعي "صاحب العيون الضيقه"، "يقول "أبو زيد" مقتبسًا من الشيخ أمين الخولي مقولته: "تكون الأفكار ملحدة، كافرة، ثم يمضي الزمن دورته، فتصبح أفكارًا تتغير بها الحياة"، ويستكمل "أبو زيد" على لسانه: "أعتقد أن الناس لم يقرأوني بشكل مباشر، هم قرأوني بعين عبد الصبور شاهين الضيقة"، هكذا أكد في إحدى حواراته.

دفع "أبو زيد" و"شاهين" ثمنًا باهظًا نظير أفكارهم التي أصروا أن تخرج للنور، مانعين تركها تنهش في أرواحهم وعقائدهم، كتاب آخرون وقعوا في مصيدة التكفير لكتبهم التي عبّرت عن أفكارهم ومعتقداتهم الشخصية، فـ "أولاد حارتنا" التي نشرت في سلاسل على صفحات جريدة "الأهرام" كفّرت كاتبها نجيب محفوظ، وتم مهاجمته من قِبل الأزهر الشريف، وطالبوا بوقف نشرها لما تحمله من تطاول صارم على الذات الإلهية، ولكن محمد حسنين هيكل، رئيس تحرير الجريدة آنذاك، رفض وقف نشرها، ولم يلق بالًا لحديث الأزهر.

"الله والإنسان" حوّل كاتبه مصطفى محمود لمحاكمة بأوامر عليا من الرئيس جمال عبد الناصر، بعد أن هاجمه الأزهر وطالب من الرئيس محاكمته، لتقرر المحكمة مصادرة الكتاب فقط لما يحمله من تطرف وتطاول على الذات الإلهية، قبل أن يأتي الرئيس أنور السادات ويطلق سراح المسجونين في قضايا النشر، بل وسمح بنشر الكتاب مرة آخرى، بل أعجب بالكتاب وبمضمونه.

قبل خمس وعشرين عامًا تقريبًا، وفي تمام السادسة و٤٥ دقيقة ليلًا، كان المفكر المصري العلماني فرج فودة، يهم للخروج من مكتبه الكائن في شارع "أسماء فهمي" بمدينة نصر، عدّل من هيئته قبل النزول واصطحب ابنه الأصغر وأحد أصدقائه، وفور نزول الثلاثة للشارع، قام شخصان من الجماعة الإسلامية، يستقلان دراجة نارية، الأول يدعى أشرف سعيد إبراهيم، والثاني الذي أمسك بالبندقية، وأطلق منها النيران على "فودة" يدعى عبد الشافي محمد رمضان، ليصاب الطفلان بإصابات طفيفة، بينما أصيب المستهدف من العملية بإصابات بالغة في الكبد والأمعاء.

فور الانتهاء من عملية الاغتيال انطلق سائق فرج فودة وأمين شرطة كان متواجدًا في المكان خلفهم، وأصابوا الدراجة البخارية ليسقط عبد الشافي رمضان، وارتطمت رأسه بالأرض، بينما تمكّن أشرف من الهرب، وتم نقله إلى المستشفى، بعد حضور سيارة إسعاف لنقله.

كانت آخر كلمات "فودة" وهو يحتضر: "يعلم الله أنني ما فعلت شيئًا إلا من أجل وطني"، ليظل الأطباء طوال ست ساعات تقريبًا يحاولون إنقاذه، بقيادة جرّاح القلب الدكتور حمدي السيد نقيب الأطباء حينها، إلى أن اختار الله أن تصعد روحه إليه ويُنقَذ الطفلان، وتم تقديم المتهمان للمحاكمة بعد القبض على الهارب، ليتبين أن الجريمة جاءت بفتوى من شيوخ جماعة الجهاد، وعلى رأسهم عمر عبد الرحمن، والذي كان مسجونا في أحد سجون الولايات المتحدة الأمريكية، فقام بتكفير "فودة" لآراءه وكتبه.

حين سُئل قاتله أثناء المحاكمة، "لماذا اغتلت فرج فودة؟ فقال: لأنه كافر.. فسألوه: ومن أي من كتبه عرفت أنه كافر؟ فقال: أنا لم أقرأ كتبه.. فأنا لا أقرأ ولا أكتب"، ليكون هذا الحوار أبلغ تعبير عن عقلية "الجماعة الإسلامية" التي حددت الموعد لقتله، واختارت اثنين لاغتياله لا يعلمان أي شيء عنه سوى التلقين وليس الفهم.

يؤمن عميد الأدب العربي طه حسين بمبدأ "الشك حتى تصل إلى الحقيقة"، وهو ما جعل من أفكاره منجمًا للتشكيك فيه، وإصدار اتهامات في حقه بالكفر والإلحاد، وإصدار شائعات بأنه كان يروّج للديانة البهائية.

من أشهر عبارات طه حسين التي لاقت هجوما ضاريًا في الأوساط الشعبية المصرية، "للتوراة أن تُحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضًا، ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي".

Login

Welcome! Login in to your account

Remember me Lost your password?

Don't have account. Register

Lost Password

Register