بعد تجاوز مواليد مصر حاجز الـ20 مليون على مدار العقد الماضي.. كيف تتعامل الحكومة مع الأزمة السكانية؟
ثلاثة مجالات عمل غير معرضة للخسارة في مصر أبداً: المطاعم، والمقاهي، ومستشفيات الولادة. تتغير الأنظمة وتتبدل الوزارات وتقوم ثورات وتخمُدْ ويسير المصريون والمصريات على نهج واحد لا يحيدون عنه، بل يزيدون ويجودون ويمعنون فيه حتى وصلوا إلى «حد اللامعقول».
«حد اللامعقول» على حد قول الرئيس التنفيذي للمركز المصري لبحوث الرأي العام (بصيرة) ومحرر تقرير «حالة السكان في مصر» الدكتور ماجد عثمان حققه المصريون في أقل من عقد من الزمان، إذ قفزوا من 72 إلى 92.3 مليون، متفوقين بالملايين العشرة الإضافية على مجموع سكان الدول الاسكندنافية مجتمعة.
لكن اجتماع نقص خدمات الصحة الإنجابية مع هيمنة مفاهيم ثقافية أكل عليها الزمان وشرب وسيطرة خطاب ديني غير رسمي لكنه قوي، لا يمنع أو يحرم أو يجرم تنظيم الإنجاب، يعني أن المصريين إلى مزيد من المواليد، والبلاد إلى مزيد من الأزمات، ومستشفيات التوليد إلى مزيد من الولادات.
«الولادة الأخيرة كانت متعبة بعض الشيء رغم إنها الولادة السادسة. كل ما أتمناه ألا يؤثر هذا التعب على قدرتي على الإنجاب».
هذا هو «هم وغم» العاملة البسيطة القلقة التي تتوق إلى المولود السابع لينضم إلى إخوته الموزعين بالعدل والقسطاس على ورش الميكانيك والنجارة والحدادة بالإضافة إلى متسول ومتسولة يقفان أمام محل حلويات شهير ورضيع لم تحسم أمر مستقبله بعد يقف على طرف نقيض «هم وغم» قاعة المشاركين في إطلاق تقرير «حالة السكان في مصر» أمس الذي صدر بالتعاون بين صندوق الأمم المتحدة للسكان والمجلس القومي الذي حمل ألغاماً معلوماتية وأرقاماً صدامية.
صدام رهيب ذلك الجاري بين ما ورد في التقرير من إنذار بالانفجار وتلويح بالانهيار إن استمر المصريون في الإنجاب بالوتيرة الحالية نفسها. فالزيادة الأخيرة في معدل الإنجاب في مصر – بعد عقود من التقدم في خفض مستويات الخصوبة – كشفت الستار عن انخفاض عدد السيدات اللاتي يستخدمن وسائل تنظيم الأسرة «وهذه كارثة». وزيرة التضامن الاجتماعي الدكتورة غادة والي أنذرت الحضور بـ «أننا لسنا مقبلين على كارثة ولكننا في الكارثة، وهي كارثة كبيرة جداً، ومواجهتها ضرورة حتمية مثلها مثل الحرب على الإرهاب».
إرهاب الشوارع المتخمة بمشكلات ملايين البشر الذين يكادون يسيرون فوق بعضهم البعض لا يعني أن مصر لا تحتاج إلى المواليد، «لكنها في حاجة إلى مواليد يصبحون شباباً أقوياء متعلمين تعليماً جيداً قادرين على العمل والإنتاج وتحقيق أهداف التنمية المستدامة».
وتضيع أهداف التنمية المستدامة في ظل النقص الشديد لوسائل منع الحمل، وهو النقص الذي أثر سلباً في ضبط معدل الزيادة السكانية لمصر ليصل إلى 7.5 في المئة حتى يشعر المواطن بثمار النمو الاقتصادي، وخفض شركات الدواء أسعار المنشطات الجنسية التي تغذي الوازع الثقافي لدى العديد من الرجال لإثبات الفحولة واستعراض الذكورة.
وقد ذكرت وزيرة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري الدكتور هالة السعيد أن 40 في المئة من المصريين أطفال، وذلك بسبب كثرة الإنجاب، ما يعني أنهم يحتاجون إعالة وتوفيراً لخدمات عديدة من صحة ورعاية وتعليم وغيرها ما يكلف الدولة مبالغ طائلة، «وهو أمر كارثي».
حديث الكارثة كان سمة الفعالية، لدرجة أن وزير التنمية المحلية الدكتور هشام الشريف حذر من أنها (الكارثة) ستؤدي بالجميع إلى أن «يخبط في الحيطة». وبين «الحيطة» التي قد تخبط فيها مصر، و «الأرنبة» (المرأة كثيرة الإنجاب) التي تعجل وزوجها بحدوث الخبطة «قضية أمن قومي».
رئيسة المجلس القومي للمرأة السيدة مايا مرسي طرقت باب التنوير رغم حساسية الجانب الديني. فبحسب التقرير، فإن تنامي التيار الديني المحافظ في مصر خلال السنوات الماضية عصف بفكرة الأسرة الصغيرة، وبدلاً من شعار «أسرة صغيرة مستقبل أفضل» الذي كان سائداً قبل عقدين، أصبح شعار «أسرة صغيرة جهنم وبئس المصير». لكن النيران الحقيقية هي تلك التي يجب أن تطفئها منابر المساجد والكنائس عبر رسائل دينية تنويرية قوامها أن تنظيم الأسرة ليس ضد الدين، كما تطالب مرسي. وأضافت أن برنامجاً دينياً يعد ضمن قائة البرامج الأكثر مشاهدة أعطى المجال لغير أهل العلم والمعرفة لتحريم تنظيم الأسرة باعتباره ضاراً وحراماً.
«حتى العيال سيمنعوهم؟» تساءل ماسح الأحذية الجالس على مرمى حجر من الفندق. «العيال مصدر رزق. هم يأتون ومعهم رزقهم. يعملون لمساندة الأسرة ولذلك ننجب الكثير منهم».
أما رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء اللواء أبو بكر الجندي يشير إلى أن كثرة الإنجاب إحدى وسائل الفقراء لتنمية الدخل، «لكن في الوقت نفسه، وبالإضافة إلى عدم توافر الخدمات والموارد، وعدم حصول أولئك على أي نصيب من التعليم أو الرعاية، فكل منهم يعيش معنا 80 عاماً ليحمل الدولة المزيد والمزيد من الأعباء».
وتستمر الأعباء وتستمر الولادات وتقفز مصر بمواطنيها لتتعدى حاجز الـ100 مليون مع معدلات توقف مرتفعة عن استخدام موانع الحمل واستمرار خطاب ديني يحرم التنظيم وبسطاء يبحثون عن «قرطة عيال» تنمي الدخل وتكون قرة عين الأهل طيلة 80 عاماً من العمر.