( تأخرنا وتقدموا) استفهام أم تعجب
عندما ندقق النظر في عالمنا المعاصر نجد أن به دولاً تقدمت وارتقت، مع أن كثيراً منها لا يدين بالإسلام، فما السر إذن في تقدمها وارتقائها!!وما السر في تاخرنا و000؟
السر ببساطة يعود إلى إتقانهم لأعمالهم أفراداً وجماعات، أضف إلى ذلك تعاونهم وعملهم بروح الفريق، وحبهم لأوطانهم.. إلخ، وكل هذه قيم إسلامية نبيلة أولى بنا – نحن المسلمين – أن نحرص عليها ونجعلها روح أعمالنا،فكل عمل يقوم به الإنسان المسلم بنيّة التقرب إلى الله عز وجل وعبادته هو عمل مقبول بإذن الله تبارك وتعالى ويجازي الله عز وجل عليه سواء أكان هذا العمل المراد به وجه الله عملا دنيوياً أو عملاً أخروياً، وقد طالبنا رسول الله صلى الله عليه وسلـم وحثنا على إتقان العمل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلـم في الحديث الصحيح : ( أن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه ) ولعلّ هذ الحديث لرسول الله صلى الله عليه وسلـم يختصر المشهد كله إذ يحثّ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلـم الناس عامة على إتقان العمل وعمله على أتم وجه وذلك لحب الله عزو وجل لهذا الأمر، فقد قال عز وجل مخاطبا الناس أجمعين في كتابه الكريم " وقل إعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون " وفي هذه الآية دليل واضح من الله عز وجل وتحذيرا منه على ضرورة إتقان العمل فالإنسان يعمل بالدنيا والله عز وجل يشاهده ويراه وسوف يرى ذلك العمل الذي يعمله الإنسان يوم القيامة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلـم والمؤمنون أيضاً.
لذلك وجب على الإنسان بشكل عام والمسلم على وجه الخصوص إذا أراد أن يقوم بعمل معين سواء كان عملا حرفيا أو إداريا الإتقان مهما كان نوع العمل ووصفه فقد وجب الإتقان في كل عمل تعبدي أو سلوكي أو معاشي صغيرا أو كبيرا فعلى المسلم أن يتقن هذا العمل وأن يبتغي من ورائه وجه الله عز وجل ورضاه وإتقان العمل في الإسلام يعني أداء العمل بضوابطه في وقته المحدد، وبذل الجهد والفكر في تطويره وتجويده؛ ليعود نفع ذلك على أمة الإسلام وأفرادها .
والإتقان عمل يتعلق بالمهارات التي يكتسبها الإنسان من مفاهيم تؤثر على الإنتاج في المستقبل بمعايير أداء عالية للغاية والمعروف لدينا في عصرنا الحاضر بمعايير الجودة الشاملة.علما بان الإتقان لا يتنافى مع الحصول على الأجر المادى مفابل القيام بالعمل والمتمثل في الراتب المخصص له من الجهة المنوطة بالأمر اما إتقانه والرغبة في إخراجه على أكمل وجه فلا يقابله أجر إلا من الله عز وجل .
وعندما يشتد التنافس في هذه الحياة بين الأفراد في كل المجالات طلباً للتفوق والرقي، كذلك عندما يوجد هذا التنافس بين الجماعات والأمم، وطالب الرقي والتقدم – سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات والأمم – لا يمكن أن يحوزهما إلا إذا أتقن عمله وجوده فالإتقان ليس هدفاً سلوكياً فحسب ، بل هو ظاهرة حضارية تؤدي إلى رقي الجنس البشري ، وعليه تقوم الحضارات، ويعمر الكون ، وتثرى الحياة ، وتنعش، ثم هو قبل ذلك كله هدف من أهداف الدين يسمو به الإنسان ويرقى به وإخلاص العمل لا يكون إلا بإتقانه.
ولعلنا نلحظ أن من أسباب التأخر في المجتمعات العربية افتقادها خاصية الإتقان كظاهرة سلوكية وعلمية في الأفرادوالجماعات، وانتشار الصفات المناقضة للإتقان كالفوضى والتسيب وفقدان النظام وعدم المبالاة بقيمة الوقت واختفاء الإحساس الجماعي والإهمال والغش والخديعة في المؤسسات الخدمية والمؤسسات الإنتاجية ، وهذا منعكس في فقدان المصريين للثقة في كل شئ ينتج في بلادهم مع ثقتهم في ما ينتج في غير بلاد هم سواء كان المنتج ثقافيا يتمثل في الأعمال الإدارية او اقتصاديا.
ومن أهم آثار عدم إتقان العمل، تأخرنا في شتى المجالات العلمية والعملية بالإضافة إلى الإساءة إلى الدين وتشويه صورته، فعدم الإتقان يقف ضد الإنسانية جمعاء و السبب في تخلفنا الناتج عن عدم إتقاننا هو بعدنا عن الدين، والتمسك به، فالإسلام يأبى أن يأكل مسلم حراما بعدم إتقانه للعمل، والإسلام من أهم أخلاقه الأمانة، والأمانة تقتضي من العامل وزيرا كان ام غفيرا رئيسا ومرؤوسا أن يقوم بعمله على أكمل وجه، وأفضل حال.
أ.د/ مفيدة إبراهيم على عبد الخالق
عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات
أستاذ الأدب والنقد ــ جامعة الأزهر