راديو

رئيس مجلس الإدارة
منال أيوب

رئيس التحرير
محمد الاصمعي

نسخة تجريبية

تجديد الخطاب الديني في مصر.. صرع شرس بين التطرف والوسطية

المقاومة شديدة، والمداهنة عتيدة، والمراوغة عنيفة، والمحاولة الحقيقية مهيضة، أما الأجواء فمتقلبة بين مخاوف شعبية غرقت في الجمود، واحتكارات سلطوية ظنت أنها إلى خلود، واجتهادات مترددة تعرف أنها إما إلى كتب التاريخ أو سجون أو تشهير «التوك شو» واغتيال الأفراد معنوياً وأدبياً، وإن تيسر إيمانياً وتكفيرياً، وذلك بينما الجميع ينتظر تجديداً دينياً عصياً على البزوغ مقاوماً للعقول متحيزاً لإبقاء الوضع على ما هو عليه.

الوضع الصعب الذي تجد فيه أضلع التجديد الديني نفسها ينعكس سلباً على رجل الشارع «المتدين بالفطرة». فسائق الأجرة الفاصل تماماً بين الدين الذي يسمعه عبر إذاعة القرآن الكريم في مذياع السيارة وبين الدولة التي يستبيح قوانينها عبر تعطيل عداد السيارة، وصاحب السوبرماركت الذي أغرق متجره في آيات قرآنية وأحاديث نبوية تتمحور حول أخلاق الشهر الكريم وقواعد الصوم المقبول لم يفكر مرتين قبل أن يضاعف أسعار السلع الغذائية ويغش مكونات البقالة والعطارة، وموظف الحكومة الذي لا تبارح السبحة أصابعه وإن أذّن المؤذن للصلاة هرع إليها وأغرق فيها وترك المواطنين غارقين في غياهب الانتظار، وغيرهم يجدون أنفسهم بين طارب لدعوة تجديد الخطاب وطارد لجهود التغيير ومحاولات التطهير.

«تطهير الدين من أمثال (إسلام) البحيري مهمة الأزهر الذي يحمي الإسلام والمسلمين، وإلا تُرِكت ساحة الدين لكل من هب ودب» قالها مصطفى محمد أحمد الموظف الثلاثيني خريج جامعة الأزهر والذي بدت عليه أمارات السعادة وعلامات الاستبشار بينما يطالع الفصل الأول من خناقة الأزهر/البحيري، حيث وصف رئيس الجامعة الدكتور أحمد حسين طه الأخير بأنه «مرتد» لأنه «ينكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة»، قاصداً هجومه على المذاهب الإسلامية، ومستنكراً ذلك بقوله: «من هو في هؤلاء الذين وضعوا قواعد الفقه الإسلامي؟».

الطريف والمثير والغريب – لكن المريح المطمئن للشاب الأزهري- هو أن رئيس الجامعة رأى في عدم تكفير «داعش» في المقابل أمراً منطقياً، وذلك بحكم إنهم «قالوا الشهادة»، وأن ما يقومون به «أعمال فسق وعصاة لكن لا يمكن إخراجهم من الملة».

لكن من خرج لم يكن «داعش» أو البحيري، بل رئيس الجامعة نفسه. فعلى رغم الاعتذار الرسمي الذي أعلنه معترفاً بأن توصيفه للبحيري بـ «المرتد» كان «خاطئاً تماماً… وغير صحيح، ويخالف منهج الأزهر الشريف» منوهاً بأنه استعجل في الرد الذي جاء «تجاوزاً في منهج الأزهر وخاطئاً ومتسرعاً وغير مقصود»، إلا أن «الفأس وقعت في الرأس» وأصدر الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب قراراً بإعفائه من منصبه. وقد وقع قرار الاعتذار ثم الإعفاء على رأس الموظف خريج الأزهر وقعاً أشبه بالصاعقة. اعتبر الرجل القرارين «يصبان في مصلحة أعداء الدين وكارهي الإيمان ومحاربي الشرع والالتزام وناشري الفسق ومروجي الفجور تحت شعار تجديد الخطاب وتنقيته وتطهيره والتسابق إلى هدم المفاهيم الصحيحة».

في الوقت نفسه، تدور رحا مسابقة لتصحيح المفاهيم في محاولة جديدة من وزارة الأوقاف للمضي قدماً في محاولة تجديد الخطاب الديني التي أعيت الجميع، إن لم يكن تناحراً واختلافاً حول المقصود بالتجديد، فرفضاً لجهود الآخرين وتمسكاً بالإبقاء على الجمود. وزارة الأوقاف – التي سبق ووجدت نفسها في مواجهة مكتومة مع الأزهر قبل أشهر حين خطت خطوات كبيرة في طريق التجديد – أعلنت عن مسابقة لمجيدي اللغات على قراءة الكتب الدينية الوسطية المسجلة وترجمتها لمحاربة الفكر المتطرف.

لكن ما يبدو فكراً متطرفاً للبعض هو عين الوسطية للبعض الآخر. وكما جرى العرف على مدى السنوات الست الماضية، فما يعتبره قطاع عريض من المصريين جنوحاً وتطرفاً يعتبره قطاع آخر سداداً وتعقلاً. وقبل أيام أصدر «اتحاد علماء المسلمين»- الذي يرأسه الشيخ يوسف القرضاوي المرفوع ضده قضايا عدة بينها الحرمان من الجنسية المصرية لدوره في تعضيد جماعة «الإخوان المسلمين» والذي انتقد شيخ الأزهر عشرات المرات بعد تأييد الأخير «ثورة 30 يونيو» لدرجة وصفه بـ «دلدول السيسي»- بياناً يعلن تأييده الكامل للأزهر في مواجهة «الحملة المسعورة» التي يتعرض لها، وذلك في إشارة إلى انتقادات عدة وجهها كتاب ومثقفون وإعلاميون في مصر للمؤسسة لما وصفوه بـ «تباطؤ» أو «تراخ» في تجديد الخطاب.

تجديد الخطاب أو تركه جامداً أو الإبقاء عليه «بين بين» أصبح مصدر لغط ومجال لغو في السنتين الماضيتين. فالمواطنون العاديون الذين يعتبرون أنفسهم «متدينين بالفطرة» منقسمون بين ركون كامل الى الأزهر ودار الإفتاء باعتبارهما المرجعية الوحيدة والملجأ الذي لا ثاني له في أمور الدين والدنيا، وانفصال واضح عن الأزهر ومؤسساته، وهوى واضح للدعاة والمفتين والخطباء في القطاع الخاص الذين أسسوا لأنفسهم كياناً موازياً منبعه الزوايا ومساجد بنيت في بئر السلم. واليوم يجدون أنفسهم مضطرين للانحياز إما لهؤلاء أو لأولئك بناء على عوامل سياسية واستقطابات أيديولوجية وتحزبات ظاهرها ديني وباطنها سياسي.

أما إسلام البحيري، ومن يحاول تحريك مياه التجديد الراكدة، فيجدون أنفسهم إما لقمة سائغة لرافعي رايات التكفير ومنكسي أعلام التفكير ومروجي لوبي التجميد أو قدوة رائعة وصورة مبهرة لما ينبغي أن يكون عليه التجديد وما آل إليه أمر التبصير. ويظل الخطاب حائراً بين التجديد والتجميد محيراً معه جموع العباد وسياسات البلاد.

Login

Welcome! Login in to your account

Remember me Lost your password?

Don't have account. Register

Lost Password

Register