بقلم: العميد محمد سمير

ذات ليلة من الليالى بينما كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسير في شوارع المدينة متفقدًا أحوال الناس، رأي خيمة لم يراها من قبل، فتقدم نحوها في هدوء متسائلًا فى نفسه عن أمرها، وعندما اقترب منها سمع صوت أنين امرأة يصدر من الخيمة، فازداد همّه، ووقف خارج الخيمة ونادي علي أهلها فخرج منها رجل.. سأله سيدنا عمر : من أنت؟، فقال له:

أنا رجل من البادية قد جئت إلي هنا مع زوجتى نطلب عدل عمر ورعايته، فقد علمنا أنه يراعي الرعية ويقدم لها احتياجاتها، فقال عمر: وما هذا الأنين الذي أسمعه ؟ فقال : هذه زوجتي تتوجع من ألم الولادة، فسأله عمر:

هل عندها من يتولي رعايتها وتوليدها ؟ فقال الرجل: لا، لا يوجد سواي، سأله عمر: هل لديك النفقة لإطعامها؟، فهز الرجل رأسه نفيًا.

قال عمر: انتظرني هنا.. سآتي لك بالنفقة ومن يولدها، وانطلق عمر بن الخطاب علي الفور إلي منزلة ونادي علي زوجته أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنه قائلًا : هل لك في خير ساقه الله لك؟ فسألته: وما ذلك ؟ أجابها: هناك مسكينة فقيرة تتألم من الولادة بمفردها في طرف المدينة، فقومي يا ابنة الأكرمين وأعدي لها ما تحتاجه.

ثم قام رضي الله عنه وأخذ الطعام وحمله علي رأسه وذهب إلي الخيمة مع زوجته، وهناك دخلت أم كلثوم حتي تتولي رعاية المرأة وجلس سيدنا عمر مع الرجل خارج الخيمة ليعد لهم الطعام.

وبينما هما علي ذلك نادت السيدة أم كلثوم من الخيمة:

يا أمير المؤمنين.. إن الله عز وجل قد رزقه بولد، وزوجته الآن بخير والحمد لله، وهنا عرف الرجل أنه جالس مع أمير المؤمنين، فتراجع إلي الخلف في دهشة لا يصدق، فهو لم يكن يعلم أن هذا عمر بن الخطاب، فضحك عمر رضي الله عنه قائلًا : اقترب اقترب، نعم أنا عمر، والتي ولدتكم هي زوجتي أم كلثوم إبنة علي بن أبي طالب.

خر الرجل باكيًا بين يدي عمر وهو يقول: آل بيت النبوة يولدون زوجتي؟.. وأمير المؤمنين يطبخ لنا؟.. فقال عمر: خذ هذا وسآتيك بالنفقة ما بقيت عندنا.

يا الله.. ماكل هذا الجمال السلوكى والفكري الذى تعجز الكلمات عن وصفه؟، وما كل هذه القيم الإنسانيةالنبيلة!.. لا تندهشوا أحبتى.. فهذا هو النهج الذي اتبعه خلفاء رسول الله صلي الله عليه وسلم.. لذلك فمن المهم أن ندرك أن رفعة عمر لم تكن لمجرد صلاة وصيام وقيام وحسب.. بل كان له قلب متيقظ متواضعًا لله عز وجل، خاشع أواب منيب، يقيم العدل والحق بين الناس، ويطبق معها جنبًا إلي جنب مبادئ وقيم العطف والرحمة، ويحاسب نفسه قبل أن يُحاسب يوم القيامة.

تعلم من عمر وتواضع دائمًا يا صديقى، فإن أشد العلماء تواضعًا هم أكثرهم علمًا.. وتأكد أن الجنة لا يدخلها المتكبرون، واعلم أن المحبة هى الثمرة العادلة للتواضع.

وتذكر دائمًا أن الله تعالى لما أغرق قوم نوح شمخت الجبال، وتواضع الجودي فرفعه جل وعلا بقدرته فوق الجبال، وجعل قرار السفينة عليه.. فسبحان من تواضع كل شيء لعزته وعظمته.

يقول الشاعر العلامة "جمال الدين الصرصري" :

تواضع لرب العرش علّك تُرفع

لقد فاز عبد للمهيمن يخضع

وداو بذكر الله قلبك إنه

لأشفى دواء للقلوب وأنفع

وخذ من تقى الرحمن أمنًا وعُدّةً

ليوم به غير التقى مروّع

نقلا عن فيتو