حَامِلِ المِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِير!
بقلم: العميد محمد سمير
أحمد ونادر كانا صديقين حميمين.. وفي أحد الأيام ذهبا في نزهة إلى الغابة للتمتّع بجمال الطبيعة. فجأة رأيا دبًا كبيرًا يتقدّم نحوهما، ففزعا وانتابهما خوف شديد.. كان نادر بارعًا في تسّلق الأشجار، فسارع على الفور إلى أقرب شجرة إليه وتسلّقها غير مبالٍ باستغاثات صديقه الذي لم يكن يحسن التسلّق إطلاقًا.. وهنا هدأ أحمد واستجمع شجاعته بسرعة، وبعد أن فكّر قليلاً، تذكّر حينها أنّه قد سمع بأنّ الحيوانات المفترسة لا تحبّ الجثث الميتة، لذا استلقى أرضًا وكتم انفاسه.. وصل إليه الدب الكبير، وراح يشمّه ويدور حوله لبعض الوقت، ثمّ تركه وذهب. فنزل نادر من أعلى الشجرة وسأل صديقه وهو يضحك ساخرًا:
"ماذا قال لك الدبّ حينما كان يهمس في أذنك؟".. فأجابه أحمد:
"قال لي أن أبتعد عن الأصدقاء أمثالك!".. ثم تركه ومضى في طريقه إلى غير رجعة.
أرجو أن تدرك يا صديقى أن الصداقة الحقة هى أحد أرقى العلاقات الإنسانية التى تساهم في تحسين طبيعة الحياة.. حيث إنّ وجود أشخاص إيجابيين في حياة الإنسان يُشعره بالسعادة، والدعم، ويُقلّل من شعوره بالوحدة، ويجعله أكثر قدرةً على العطاء ومساعدة الآخرين، ومن جهةٍ أخرى تُساهم الصداقة الحقة في تعزيز الصحة العقلية والجسدية للإنسان؛ إذ يُساعد الأصدقاء الأوفياء على التعامل مع التوتر بشكل أفضل، ويمنحون أصدقاءهم أحسن الخيارات التى تُبقيهم أقوياء، حتى أن الدراسات الموثقة قد أثبتت أنّ الصداقة المخلصة تُساهم في تعافي الشخص من مرضه بشكلٍ أسرع.
وعن أهمية حسن اختيار الأصدقاء يحدثنا رسولنا الكريم قائلًا:
"مثَلُ الجلِيس الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ: كَحَامِلِ المِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحًا طيِّبةً، ونَافِخُ الكِيرِ إِمَّا أَن يَحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا مُنْتِنَةً". ِ
ويقول كذلك:
"المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يُخَالِل".
فالكثير من المآسى أحبتى تحدث بسبب "أصدقاء السوء"، ويكفى نظرة بسيطة على العديد من الفواجع المجتمعية الشهيرة مثل قضية الفيرمونت وقضايا الإدمان التى دمرت مستقبل العديد من الأبناء وشوهت سمعة الأسر لندرك الأهمية البالغة لأن نتحرى الدقة البالغة فى اختيار الدائرة المقربة لنا ولأبناءنا.
نصيحتى المخلصة.. راجع بصفة دورية قائمة أصدقائك، واجتهد قدر المستطاع أن يكون كل مقرب منك يتمتع بأكبر قدر من الصفات التالية:
(يحفظ أسرارك – بشوش وذو طاقة إيجابية ويدفعك للأمام – أمين ونظيف اليد – وفى ومخلص – حسن الخلق وعف اللسان – متسامح – متواضع وغير متكبر – يحفظ المعروف – لا يكذب – شهم فى الشدائد والمحن – لا يفجر عند الغضب – طيب القلب ورحيم).
.. يقول محمود سامى البارودى عن الصديق الحق:
ليس الصَّدِيقُ الذي تَعلُو مناسبهُ
بلِ الصديق الذي تَزكُو شمَائِلُهُ
إنْ رَابَكَ الدَّهْرُ لَمْ تَفْشَلْ عَزَائِمُهُ
أو نَابَكَ الهمّ لَم تَفتُرْ وسائِلُهُ
يرعَاكَ في حالتي بُعد ومقربةٍ
وَلا تُغِبُّكَ مِن خيرٍ فواضلُهُ
نقلًا عن فيتو