ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السُّفَهَاءُ مِنَّا
نجاة الحشاش
امتلأ زماننا اليوم بالسفهاء، ومنهم من أمسك الزمام، وقام يصرح بانه البطل وعلى يده ستزول الغمة، وهي نتيجة طبيعية عندما يُوَسَّد الأمر إلى غير أهله، وتنعكس الأحوال وتنقلب الموازين، فلا عجب أن ترى الذي يمسك بزمام الأمور هم السفهاء (!) ومن يصرَحون ويملأون العالم بصراخهم هم السفهاء (!) لديهم لسان سليط ومسيء وكاذب ولديهم القدرة على تشويه الحقائق وقلب الموازين.
وقد يصل الأمر بالسفيه بأن يعتقد بأنه معصوم من الخطأ (وكأن الباطل لا يأتيه من بين يديه ولا من خلفه).
نعم، نحن في زمن يصدق الكاذب، ويكذب الصادق، ويؤتمن الخائن، ويُخوَّن الأمين، ويتكلم الجاهل، ويسكت العالم، وهذه والله من علامات الساعة.
والمصيبة أن الجهلاء والسفهاء يظنون أنَّهم العقلاء وغيرهم جهلاء، وأنهم الألمعي وغيرهم الغبي، فالسفيه لا يقبل كلام من يرشده، ولا يقبل أن يصحح خطأه. وصدق الشاعر في قوله: (إذا غلب الشقاء على سفيه… تنطَع في مخالفة الفقيه).
والسفهاء: جمع «سفيه»، والسفه في اللغة: «الخفة» وهو خفيف العقل، قليل التَّدَبُّر، الذي لا يحسن تدبير شؤون نفسه فكيف يدبر شؤون المجتمع.
والسفهاء سفهاء… ليس فقط في إدارة زمام الأمور وانما حتى في مجالستهم لأصدقائهم. وصفهم أحد الصالحين: (لديهم سرعة الجواب، وترك التثبّت، والإفراط في الضحك. والوقيعة في الأخيار) الوقيعة بالأخيار تحت مسمى المقالب والضحك تراهم يكثرون الضحك والمقالب المجنونة والغبية على أصحابهم تحت باب الضحك وخفة الدم والمزحة، ويستمتعون بتوثيقه في وسائل التواصل الاجتماعي من أجل اضحاك الناس على أصحابهم لكي يحصلوا على شهرة في مواقع التواصل ويصبح مقطعهم ترند، وهذا جل طموحهم وأحلامهم.
في الحقيقة، أي انسان عاقل لا يطيق مجاراة السفهاء، لأن الحديث والنقاش متعب وقد يفقد العاقل عقله وقديماً قالوا: إذا ابتلي فاضلٌ بسفيه فلا يجاره، لأن مجاراة السفيه تقود العاقل إلى مشابهته، والسفيه لا يريد مِن العاقل إلا ذلك، لأن السفيه لا يَملك إلا هذه الوسيلة للانتصار لنفسه، ولو كان يعرف مسلكاً غيره لينتصر لسلكه كما يفعل العقلاء، فما أحسن الإعراض عن السفيه وسفاهته.
الإعراض عَنِ الْجَاهِلِينَ يكون بالترك والإهمال، وعدم الدخول معهم في جدالٍ لا ينتهي إلى شيءٍ، إلا إضاعة الوقت والجهد، فمَن أعرض عن السفهاء حمى عرضه، وأراح نفسه، وسلم مِن سماع ما يؤذيه، فبالإعراض عن الجاهلين يحفظ الانسان عزة وكرامة نفسه… كما جاء في قوله تعالى في سورة الأعراف الآية 199: (… وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) أجمل ما قال الإمام الشافعي عن السفهاء:
يخاطبني السفيه بكل قبح… فأكره أنْ أكون له مجيب
يزيد سفاهة فأزيد حلما… كعود زاده الإحراق طيبا
وأخيراً حاول الإبقاء على مسافة كافية بينك وبينهم، إن لم تكن مضطراً للتعامل والاختلاط بهم.
وحتى سفهاء السوشيال ميديا لا تتابعهم.
أوقف مقاطعهم وسخافتهم لا تسمح لها بالعبور عن طريقك إلى الآخرين، فمجرد الريتويت أو ارسال مقاطعهم تكون قد ساهمت بشهرتهم وعززت مكانة السفهاء في المجتمع.
( ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السُّفَهَاءُ مِنَّا).
نقلا عن الرأي