ريال مدريد X أتلتيكو مدريد.. مباراة بلا روح ولا أهداف
تعادل ريال مدريد أمام مُضيفه أتلتيكو مدريد بلا أهداف في اللقاء الذي لُعب على أرضية ملعب واندا ميتروبوليتانو لحساب الجولة الـ12 من الدوري الإسباني، وهي نتيجة لا تخدم مصالح أي من الفريقين.
ربما شاهدنا اليوم النسخة الأقل جرأة من أتلتيكو مدريد خلال الديربيات التي لُعبت بعيدًا عن البيرنابيو في السنوات الأخيرة. فريق دييجو سيميوني بدا في لحظات كثيرة من اللقاء يلعب دور الفريق المدافع الذي يبحث عن حماية مناطقه الخلفية قبل التفكير في الارتداد، وحينما حاول الارتداد فشل في مناسبات كثيرة في الوصول للثلث الأخير من ملعب الريال في وضع جيد، ما حد كثيرًا من فرصه السانحة للتسجيل، ولربما لخطط دييجو سيميوني دور في ذلك، بالإضافة إلى النجاح الذي عرفه الريال حينما فرض ضغطًا متقدمًا.
كم افتقد الأتلتي اليوم إلى العمق الهجومي! على الورق، بدأ دييجو سيميوني المباراة بخطة 4-2-3-1، والتي ضمت لاعبين كثر بنزعة دفاعية أكثر منها هجومية. فمن دون كرة، كان يتحول الفريق إلى 4-4-2 بلا أجنحة واضحة، أي بخط رباعي مكون من بارتي، ساؤول، جابي وكوكي، مع بقاء جريزمان وكوريا للضغط بشكل متقدم. تواجد جريزمان كرجل وحيد في العمق حجم كثيرًا من حظوظه للظهور وكذلك من حظوظ فريقه للوصول بتمريرات في العمق، فأنطوان لاعب يستفيد في الوضع الطبيعي من تحركات رأس الحربة والمساحات التي قد تظهر جراء ذلك في الخط الخلفي، أما اليوم فقد كان يكتفي بالتحرك أمام قلبي دفاع لم يجدا مشاكل كبيرة لإيقافه وكبح تحركاته في ظهره.
أما سوء الخروج بالكرة في المرتدات فيُعزى جزء منه إلى قلة العناصر المتواجدة أو المستعدة للتقدم للتواجد في منتصف ملعب ريال مدريد. في أكثر من مناسبة، تابعنا انطلاقات فردية من ساؤول، كوريا أو كوكي بعد استرجاع الفريق للكرة، مع خيارات محدودة جدًا للتمرير، ما كان يُسهل مهمة لاعبي الريال في استرجاع الكرة، والأمر تكرر في مناسبات كثيرة. فمثلًا: كوريا تسبب في فقدان فريقه للاستحواذ على الكرة في 26 مناسبة، ساؤول 16 وكوكي 21، وهي أرقام مخيفة لفريق بحث عن الارتداد بشكل سريع لفترات طويلة من اللقاء.
الحقيقة الواضحة منذ بداية الموسم الحالي هي أن أتلتيكو مدريد لم يعد ذلك الفريق الصلب دفاعيًا والذي لا يكاد يترك مساحات للخصوم في ظهره. اليوم ورغم نزعته الدفاعية الواضحة، إلا أن ريال مدريد نجح في إيجاد مساحات كبيرة وخلق فرص كثيرة، ولولا اللمسة الأخيرة الت غابت عن الريال بغرابة اليوم لكان قد سجل قطعًا. المستوى الفردي للاعبين مثل لوكا هيرنانديز غطى بشكل واضح على القصور الجماعي في التغطية، لكني لم أعد أعاين الأتلتي الذي وُصف يومًا بصاحب أفضل منظومة دفاعية في العالم.
أوضح فرصة لأتلتيكو مدريد في مباراة اليوم كانت عقب دخول جاميرو وتوريس وكاراسكو، وتواجد لاعبين مرجعيين في العمق كما في الأروقة. الفرصة كان بإمكانها قتل المباراة، لكن اللمسة الأخيرة مرة أخرى خانت اللوس كولتشونيروس الذين سعوا للتعادل أكثر من الفوز في نهاية المطاف، ونسق اللقاء خدم مصالحهم بشكل كبير بعد أن دخل في الطابع البدني لفترات كثيرة.
أخيرًا وليس آخرًا، أحب التطرق إلى لاعب بعينه، والأمر يتعلق بلوكا هيرنانديز. اللاعب الفرنسي قدّم اليوم مباراة كبيرة جدًا تقدم دلائل أكبر لريال مدريد للم شمله بشقيقه ثيو هيرنانديز في نفس الفريق. ثيو قدّم مستويات فردية غطت في أكثر من مناسبة على الأخطاء الجماعية التي ارتكبها الفريق في العمل الدفاعي، وتسبب في إحباط فرص كثيرة لرونالدو، كروس وآخرين. يان أوبلاك عاد ليكون حاسمًا كما جل مباريات هذا الموسم، وهو أمر يدعو سيميوني للقلق.
على غرار المباريات السابقة، واصل زيدان الاعتماد على خطة 4-4-2 الماسة بوضع إيسكو في قلب منظومة البناء الهجومي، ومع تواجد بنزيمة وكريستيانو رونالدو كمهاجمين متحركين. كتوازن جماعي، ظهر الريال بشكل أفضل بكثير من المباريات السابقة، خاصة على صعيد نجاعة الضغط المتقدم وسرعة استرجاع الكرة، وهو أمر مكن الريال من الاستحواذ على مجريات اللقاء في فترات طويلة، لكنه لم يحل المشكلة الهجومية التي مازال يعاني منها الفريق منذ فترة ليست بالقصيرة.
تفوق خط وسط ريال مدريد تُرجم بشكل واضح على أرقام لاعبيه فرديًا، فتجد لاعبين مثل كامسيرو، إيسكو أو كروس استعادوا كرات بالجملة (كاسميرو: 11، مودريتش 5، كروس: 8 وإيسكو 5)، كما أنهم امتازوا بدقة تمريرات عالية جدًا تراوحت بين الـ95% لكروس و89% لمودريتش. كل ذلك جعل الريال معقولًا جدًا في الوصول للثلث الأخير لملعب أتلتيكو مدريد وفي أخذ وسط الأتلتي على حين غرة، لكن المشكل الحقيقي كان في اللمسة الأخيرة وفي تحركات المهاجمين.
من الواضح أن كريم بنزيمة كان اليوم بعيدًا كل البعد عن المستوى الكافي لتقديم أية إضافة لريال مدريد أمام مدافعين بحدة وقوة مدافعي الأتلتي بدنيًا. الضغط في المساحات الضيقة دائمًا ما يكون مرتفعًا من طرف لاعبي الأتلتي، وإن لم تكن تمتاز بالرشاقة الكافية للقيام بحركات خارقة للعادة كتلك التي قام بها كريم في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا الموسم الماضي، أو القدرة على اتخاذ قرارات سريعة بالتسديد أو التمرير، فإنك حتمًا ستكون عالة على فريقك، وكريم ورغم محاولاته الكثيرة النزول على الأطراف لإيجاد المساحات، إلا أنه كان أنه لم يقدم أية إضافة بينة لفريقه. حصيلته الرقمية بالتالي كان فارغة تمامًا!
رونالدو بالمقابل كان يتحرك بشكل صحيح، وهي الميزة التي مازال يُحافظ عليها رغم تراجعه بشكل ملحوظ في القدرة على الحسم. الدون كان يخلق خطورة واضحة بتحركاته على الرواقين أو في العمق، وميزته أنه من أميز مهاجمي العالم في التحرك بين قلبي الدفاع، لكن اللمسة الأخيرة غائبة تمامًا عنه. النجم البرتغالي سدد 7 كرات على المرمى، 2 فقط بين القائمين والعارضة. لا شك أن رونالدو يعاني من التسرع أمام المرمى، وهي مشكلة لطالما ظهرت حينما تراجع معدله التهديفي، وتختفي مع عودة الأمور لطبيعتها وتصالحه مع الشباك.
أظهر اليوم داني كاربخال لماذا تُطالب جماهير الريال من أشرف حكيمي أكثر بكثير مما قدمه حتى الآن. داني من الأظهرة الذي يعرف جيدًا متى يتقدم ومتى يتراجع، بل ويمتلك الفطنة الكافية لتصحيح بعد اللقطات التي يبالغ في التقدم فيها، عكس أشرف الذي لم يُظهر إلى اليوم الجرأة الهجومية التي يحتاجها زيدان من الأظهرة، خاصة أنه بات يعول عليهما كثيرًا في البناء الهجومي خاصة في خطة 4-4-2 الماسة التي لا يوجد بها أجنحة صريحة. كاربخال قدّم مباراة كبيرة وضغطه المتقدم تسبب في مشاكل كثيرة لساؤول.
بدا جليًا بحث الريال عن الفوز أكثر من خصمه، لكني أعتقد شخصيًا أن زيدان لم يكن موفقًا في تغيير بنزيمة بأسينسيو. الفريق كان يحتاج للاعب إضافي داخل منطقة الجزاء أكثر بكثير من آخر خارجه. ربما فكّر زيدان بإضافة لاعب آخر قرب منطقة الجزاء لزيادة الضغط في الثلث الأخير من الملعب، لكن الفريق كان يحتاج حينها لعنصر إضافي داخل منطقة الجزاء يستغل المساحات التي كانت تظهر. ربما حان الوقت لوضع ثقة أكبر في بورخا مايورال الذي أثبت نفسه عندما مُنح الفرصة أمام ريال سوسيداد.
هل بات ريال مدريد خارج المنافسة بعد تحول الفارق لـ10 نقاط؟ الحقيقة أن مهمة الميرنجي باتت صعبة جدًا، لكنها ليست مستحيلة أبدًا، والكل سيتوقف على النتائج التي ستعرفها المباريات المتبقية في جولة الذهاب في رأيي، فإن تواصل الفارق الحالي أو أصبح أكثر، فإن الريال سيكون حينها قد نسف جزءً مهمًا من حظوظه، وإن حدث العكس، فقد نراه يعود. البارسا يتنقل الأسبوع المقبل إلى المستايا، والكلاسيكو الأول سيكون في مدريد، وهما لقاءان قد يقلبان الدوري رأسًا على عقب.