سر ظهور "بابا شفيق" قبل "بابا عبده"
محب فهمي
معظم المؤرخين يدخلون إلى حياة الفنانين من باب ستينات القرن الماضي إذ هذا التاريخ يواكب بدء البث التلفزيوني و هو على ما يبدو عصر الازدهار بظهور التلفزيون حيث عرض كثير من تراث السينما المصرية و التي بدأت من العشرينات , كذلك هو تاريخ الصحافة الفنية التي بدأت تكتب عن الفنانين الذين تألقوا سيدات و رجال و الذين حملوا على أكتافهم عبء انتشار الفن بجميع فروعه بدءًا من أفلام السينما و عرضها على الستار الفضي , مطربون و مطربات و ألحان من خلال الراديو , بعدها التلفزيون الذي أفرد للمسرح و المسلسلات حيزًا كبيرًا و كان له إسهاماته في تثقيف شريحة كبيرة من الشعب لم ينل قسطًا من التعليم و أصبح لزاماً علينا أن نكتب عن السير الذاتية لنجوم و نجمات رحلوا عن عالمنا يجب أن نسجل لهم اعترافاً بفنهم و إسهاماتهم و منهم نجم اليوم , النجم أحمد شفيق نور الدين مواليد 15 سبتمبر عام 1911 خرج من ريف مصر و تحديداً من قرية بحيرم مركز قويسنا , تلقى علومه بمدرسة الصنايع و كان عشقه الأول للمسرح وخصوصاً مسرح على الكسار ودوره المميز في شخصية عبد الباسط ( بربرى مصر ) .
وكان يقوم بتقليده وذلك بعمل المكياج بدهان وجهة بهباب لمبة الجاز بعدها التحق بمعهد عبد العزيز حمدي وكانت الدراسة فيه مسائية ولا تتعارض مع دراسته للصنايع في الفترة الصباحية و عندما أعلنت وزارة المعارف العمومية عن أعدادها لبعثة ستسافر لانجلترا لدراسة التمثيل , ترك دراسته و أستعد لدراسة اللغة الانجليزية و لسوء الحظ ألغيت البعثة , بعدها التحق بالفرقة القومية كممثل بفريق الهواة و كان يتقاضى شهريًا ثلاثة جنيهات .
ولم يستمر هذا الدخل المتدني طويلاً لعدم وجود ميزانية تسمح بعدها قبل العمل بدون أجر , لقد بدأ السلم من أوله و عمل كومبارس صامت وبعدها تدرب للعمل ملقن بمكبوشة المسرح و كان يختزن و يمتص الخبرة تحمل كثيرا ً وترقى حتى أصبح راتبه 7 جنيهات وجاءته الفرصة في المسرح للقيام بدور رئيسي في مسرحية عزيزة هانم و كان يلعب في المسرحية بدور فلاح و لعب الدور باقتدار وتوالت الأدوار بعدها لعب دور قمحاوى أبو شادوف في مسرحية ملك القطن ثم دور في مسرحية قهوة الملوك وباستقالة الفنان محمد الطوخى أفسح له المجال ليلعب دور في مسرحية الخال فانيا و أصبح علامة مميزة في المسرح القومي .
لم تعرف أسرته قدرة حتى عام 1963 حينما صعد على منصة التكريم ليتسلم وسام العلوم و الفنون من الطبقة الأولى من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في مناسبة عيد العلم .
الحكمة التي كان يعتز بها أنه سوف يتعلم حتى آخر يوم من عمره و كان مثله الأعلى بالمسرح العظيم نجيب الريحاني كذلك عزيز عيد و قال عنه : أنه وجد جوهرة في صندوق قمامة .
وعن أعمالة الفنية قد غنى و رقص في مسرحية الاسكافي و مسرحية دائرة الطباشير القوقازية و مسرحية ملتوف 71 و هو يعتبر ممثل مسرحي من الطراز الأول و كان يعمل بعد بلوغه إلى سن التقاعد بدون أجر و رفض السفر و العمل بالخليج بمرتب و عن أعمالة الإذاعية برنامج نوادر جحا .
و أهم أدواره بالمسرح دور الطواف في مسرحية عيلة الدوغرى و دور القرداتى في مسرحية كوبري الناموس و دور الشاويش صابر في مسرحية المحروسة و دور السواق في مسرحية سكة السلامة .
و في السينما أشتهر بتمثيل أدوار ( البقال , المرابي , الموظف , الجواهرجي ) ومن أعماله السينمائية المميزة : فيلم مراتى مدير عام مع شادية و صلاح ذو الفقار و كان دورة المدير المواظب على الصلاة , القاهرة 30 رائعة نجيب محفوظ و حمدي أحمد و جملته الشهيرة ( أنا بعت الكنبة اللي بنام عليها ) , دهب مع أنور وجدي و فيروز و كان دورة بقال و على ميزان قسم الجبن بين فيروز و أنور , معبودة الجماهير مع العندليب عبد الحليم حافظ و كان دورة بقال يمون في عبد الحليم حافظ بالسندوتشات .
كان فلاح في تمثيله و سمي زعيم الفلاحين زامل حمدي أحمد و عبد الله و حمدي غيث و إبراهيم الشامي و احمد الجز يرى و حسن البارودي و توفيق الدقن و عبد المنعم إبراهيم و زامل العظيمتين سناء جميل و سميحة أيوب .
أبدع في مسرحية الفرافير رائعة يوسف إدريس مثل معظم أعمال نعمان عاشور , لقب بابا شفيق قبل عبد المنعم مدبولى بابا عبده .
كان له نظرة مستقبلية لمن يعمل معه في أول حياتهم منهم محمود يس و محمود الحدين و عبد الرحمن أبو زهرة و عادل إمام و من أشد المعجبين به الأديب الراحل سعد الدين وهبة .
من أحب أدواره أطواف في مسرحية عيلة الدوغرى و عبارة : أنا عايز جزمة يا حسن و دورة مع المطرب العطار و كان يقوم بدور والدة النجيل و مرض و طلب كوب ليمون فاحضره ماهر فقال له : تعصر لمونه بحالها .
وعن هواياته : كان يعزف على العود , و يضع تماثيل , ويهوى تربية الطيور كان عنده قطة يقوم برعايتها وإطعامها و كان يقول أن القطة تأكل كل شيء ولا يمنعها الأطباء كما منعوني ليت لي معدة كمعدتها
حصل على جائزة الجدارة من أنور السادات عام 1978 , كرم بأن أطلق اسمه على الشارع المؤدى لمنزلة في قرية بحيرم .
عن أولاده : ابنه نبيل و هو يعمل بالفن و الآخر محمد و له أربع بنات هن : عايدة و هى الكبيرة و عائشة و زوجها دكتور حامد سمية و يطلق عليها الشيخة و الصغيرة مديحة و نأتي لفصل الأخير من حياة الراحل العزيز
عندما وافته المنية أبلغت أسرته المسرح القومي و كان ابنه نبيل خارج القاهرة و قامت السيدة الفاضلة سميحة أيوب بإبلاغه
وكانت وقتها مديرة المسرح القومي و أنقذت الأسرة من الحيرة و طلبت أن تحضر سيارة الإسعاف بالفقيد العزيز إلى المسرح القومي وخرجت الجنازة من المسرح وصلى علية في مسجد الكخيا و تم مواراة جسده الثرى و أسدل الستار على إنسان أمتعناً و تظل ذاكرة عاطرة