سفير مصر بواشنطن: «أميركا» وحدها القادرة على حل أزمة سد النهضة
أكد السفير المصري لدى واشنطن، معتز زهران، أن الولايات المتحدة هي وحدها من تمتلك النفوذ اللازم لتشجيع إثيوبيا على الانخراط بحسن نية في المفاوضات بشأن سد النهضة والامتناع عن الإجراءات الأحادية والسعي لتحقيق المصالح الذاتية الضيقة، التي أضرت بالمصالح المشروعة لجيرانها.
وقال السفير المصري في مقال نشره بمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية بعنوان "وحدها واشنطن تستطيع إنقاذ مفاوضات سد النهضة الآن" إن إثيوبيا أحبطت في أوائل شهر أبريل عملية وساطة أخرى- كانت هذه المرة بقيادة الاتحاد الأفريقي – لحل الأزمة المتصاعدة بشأن نهر النيل، حيث تقوم إثيوبيا ببناء سد النهضة، الذي من شأنه أن يعطل مصدرًا رئيسيًا للمياه لدولتي المصب مصر والسودان.
وأضاف أنه مع اقتراب إثيوبيا من الملء الثاني لخزان السد بصورة أحادية – وبالتالي تجاوز "الخط الأحمر" الذي حدده الرئيس عبد الفتاح السيسي – قد يكون الأمر متروكًا للولايات المتحدة للمساعدة في التوسط لحل سلمي ومنع الاضطرابات في المنطقة التي تتطلع بلا شك قوى التطرف والإرهاب إلى استغلالها.
وذكر السفير المصري أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، التي تدرس حاليًا أفضل سياسة لإدارة هذا الوضع، يجب أن تتحرك الآن، محذرًا من أنه إذا تم ملء وتشغيل السد من جانب واحد، فقد يتسبب في إلحاق ضرر اجتماعي واقتصادي وبيئي لا يحصى في اتجاه مجرى النهر في مصر والسودان.
ونوه السفير إلى أن إثيوبيا نفذت عملية الملء الأول للسد العام الماضي، في انتهاك لمعاهدة عام 2015 (اتفاق إعلان المبادئ)، والأن ترفض الدعوات إلى حل عادل، واتساقا مع مع سياستها الراسخة المتمثلة في استغلال الأنهار الدولية بشكل أحادي، تتعهد إثيوبيا بالمضي قدمًا في مرحلة ثانية كبيرة من ملء الخزان هذا الصيف.
وحذر السفير المصري لدى واشنطن من أن قطع إمدادات أساسية من المياه من شأنه أن يزيد بشكل كبير من المخاطر التي يشكلها تغير المناخ في المنطقة، مشيرا إلي أن مصر تواجه بالفعل نقصًا حادًا في المياه، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى ارتفاع درجات الحرارة وارتفاع مستويات سطح البحر.
وذكر أنه على الرغم من مزاعم إثيوبيا بأن مشاريع الطاقة الكهرومائية لن تسبب أي ضرر، فإن ملء وتشغيل السد الإثيوبي من جانب واحد من شأنه أن يزيد الأمور سوءًا بشكل سريع لكل من مصر والسودان ، مما يتسبب في أضرار بيئية واجتماعية اقتصادية خطيرة، مما قد يجبر أعدادًا كبيرة من العائلات على مغادرة ديارهم.
وأضاف أن سد النهضة سيكون له أيضًا آثار ضارة على السد العالي في أسوان، وهو سد متعدد الأغراض وأكبر مصدر للطاقة المتجددة في مصر ولا غنى عنه في تأمين الاحتياجات المائية لمصر والسودان، منوها إلي أنه وفقا لبيانات الأمم المتحدة فإن كل انخفاض بنسبة 2 % في المياه المتاحة يؤثر على مليون شخص.
وأشار إلى أن دراسة عن تأثير السد أجرتها شركة Deltares الهولندية (للاستشارات والتنفيذ في قطاع المياه)، وجدت أن تأثير ملء سد النهضة من جانب واحد يمكن أن يؤدي إلى نقص المياه في مصر بأكثر من 123 مليار متر مكعب، وتعطل 290 ألف شخص عن العمل، وتدمير أكثر من 321230 فدانًا من الأراضي المزروعة، وزيادة بواقع 150 مليون دولار في الواردات الغذائية، وخسارة 430 مليون دولار من الإنتاج الزراعي.
وأكد السفير معتز زهران أن التهديد الذي يشكله سد النهضة ليس افتراضيًا بل حقيقيًا، لافتا إلي أن سد آخر شيدته إثيوبيا يتسبب حاليًا بحدوث أضرار جسيمة في كينيا، وقد كانت التداعيات شديدة لدرجة أن اليونسكو حذرت من انقراض بحيرة توركانا في كينيا، كما كانت هناك أيضًا تقارير وبحوث بشأن الإجراءات الإثيوبية الأحادية الأخرى، بما في ذلك في حوض نهري جوبا وشبيلي، دون التشاور المسبق مع الصومال، وتأثيرها السلبي الكبير على الحصول على المياه وكذلك الأمن في الصومال.
وقال السفير المصري إن عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي الناجم عن مثل هذه السياسات الأحادية الإثيوبية يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الاضطرابات في المنطقة، مضيفا أن إثيوبيا تعمل على تأجيج النيران من خلال تشويه سمعة السودان ومصر من خلال دفع الرواية الشعبوية المضللة التي تحاول وصف جميع المخاوف بشأن سد النهضة على أنها متجذرة في الاستعمار، مدعية أن جيرانها في دولتي المصب يعارضون تنميتها ويحاولون فرض ما تسميه بـ "المعاهدات الاستعمارية" على إثيوبيا.
وتابع أن إثيوبيا تسعي من خلال هذا الوصف الخاطئ لتحويل الانتباه عن التزاماتها القانونية الدولية الفعلية تجاه جيرانها في دولتي المصب، والتي تشمل العديد من الاتفاقيات الدولية التي وقعتها إثيوبيا – جميعها بدون استثناء كدولة مستقلة ذات سيادة – بما في ذلك اتفاقيات عام 1902 و1993 و 2015.
وأشار إلي أن هذه الاتفاقيات خدمت ولا تزال تخدم المصالح الوطنية لإثيوبيا، وفي حين أن أديس أبابا جنت فوائد من توقيع هذه الاتفاقيات، إلا أنها حاولت مرارًا وتكرارًا التنصل من التزاماتها المتعلقة بنهر النيل بموجب الاتفاقيات ذاتها.
ونوه السفير المصري إلي أن المفاوضات بشأن سد النهضة لاتزال تتعثر تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، وأن تصريحات إثيوبيا الآن كشفت السبب الفعلي لتخليها عن محادثات واشنطن، فأثيوبيا ترفض أي اتفاق ملزم قانونًا بشأن قواعد ملء وتشغيل السد، وتطالب بإطار عمل من المبادئ التوجيهية غير الملزمة التي يمكن أن تغيرها حسب هواها، مشددا علي أن هذا يتعارض مع إعلان المبادئ بين الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا) لعام 2015.
وتابع أنه على الرغم من أن البيانات السياسية لإثيوبيا تتحدث عن التزامها بعملية الوساطة التي يقودها الاتحاد الأفريقي، مستندة للمبدأ المشترك "الحلول الأفريقية للمشاكل الأفريقية"، فإن تصرفاتها في الواقع تقوض بشكل واضح دور الاتحاد الأفريقي.
ومضى قائلا : "تجلى ذلك من خلال رفض إثيوبيا القاطع، في الاجتماع الأخير في كينشاسا عاصمة الكونغو الديمقراطية، لمقترحات مشتركة متعددة قدمتها السودان ومصر لتمكين العملية التي يقودها الاتحاد الأفريقي، لافتا إلي أن إثيوبيا تفضل دورًا رمزيًا لرئيس الاتحاد الأفريقي وليس دورًا نشطًا.
واعتبر السفير المصرى أن الولايات المتحدة تمتلك النفوذ اللازم لتشجيع إثيوبيا بنجاح على الانخراط بحسن نية في مفاوضات سد النهضة والامتناع عن الإجراءات الأحادية والسعي لتحقيق المصالح الذاتية الضيقة التي أضرت بالمصالح المشروعة لجيرانها.
وأوضح أن طلب الخبرة من الشركاء الدوليين، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لدعم عملية الوساطة التي يقودها الاتحاد الأفريقي، سيكون ذا قيمة كبيرة في جعل المفاوضات تؤتي ثمارها في أقرب وقت ممكن.
وأشار إلي أن هذا الاقتراح سيضمن أيضًا عدم وجود مجال لتوجيه أصابع الاتهام بشكل خاطئ، فلن يكون من المجدي تحدي حياد كل هؤلاء الشركاء بقيادة رئيس الاتحاد الأفريقي، كما فعلت إثيوبيا مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بعد أن تخلت إثيوبيا عن عملية الوساطة التي قادتها الولايات المتحدة العام الماضي.
وحذر السفير المصري في ختام مقاله من أن الفشل في حل المشكلة المتصاعدة بشأن سد النهضة سيؤدي إلى تسريع الآثار المدمرة بالفعل لتغير المناخ في المنطقة، وإطلاق موجة من الهجرة غير الشرعية نحو الغرب، وفتح الباب أمام صراعات جديدة وحتى الإرهاب في الشرق الأوسط وشرق إفريقيا.
وأشار إلي أنه من خلال الدبلوماسية يمكن لإدارة بايدن إعادة ضبط المفاوضات المتعثرة، وتحقيق حل عادل لجميع الأطراف، وحماية مصالحها الاستراتيجية مع ثلاثة حلفاء إقليميين مهمين.