فون دير لاين تشدد على أهمية توقيع عقوبات قوية على إيران
قبل شهر، ألقت شرطة الأخلاق القبض على الشابة الكردية مهسا أميني في طهران؛ بحجة عدم التزامها بما يفرضه القانون على زِيّ النساء… وبعد ثلاثة أيام، سلمت جثتها إلى أهلها لدفنها. ومنذ ذاك الحين، تشهد العاصمة طهران وغالبية المدن الإيرانية مظاهرات احتجاجية قابلتها السلطات بعنف متزايد بطلب من أعلى المراجع، أوقع ما يزيد على مئتي قتيل ومئات الجرحى، وألقي القبض على ما يزيد على ألف شخص.
وكما كان متوقعاً، انصبت الانتقادات الحادة على السطات وعلى قمعها الدموي للحركة الاحتجاجية، ولدوسها على حقوق الإنسان وتعاطيها الصلف مع النساء. وبرغم أن اهتمام العالم ما زال منصباً على الحرب الروسية على أوكرانيا وعلى تبعاتها الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، فإن الأنظار بقيت متيقظة لما يحصل في إيران. ولأن حملات التنديد والإلحاح في الدعوات لوقف العنف واحترام أبسط حقوق الإنسان، واجهتها السلطات الإيرانية بالتجاهل أو برفض التدخل في شؤونها الخاصة، والأبرز باعتبارها جزءاً من حملة لضرب الاستقرار في إيران، فإن الدول الغربية قررت الانتقال من التنديد إلى فرض العقوبات، وهو ما قامت به بداية الولايات المتحدة الأميركية ولحقت كندا بها سريعاً، ثم جاء دور الاتحاد الأوروبي الذي قرر ممثلو أعضائه، يوم الأربعاء الماضي، فرض عقوبات جماعية على طهران. وينتظر أن يوافق عليها ويقرها وزراء الخارجية في اجتماعهم، يوم الاثنين المقبل، في لوكسمبورغ.
وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين شددت، الأربعاء الماضي، على أنه «يتعين على الأوروبيين محاسبة المسؤولين عن قمع النساء في إيران وفرض عقوبات عليهم؛ لأن العنف الذي يتعرض له الشعب الإيراني لا يجوز أن يبقى دون محاسبة».
ومن جانبهم، طالب النواب الأوروبيون بوضع المسؤولين الإيرانيين عن العنف، وعن وفاة مهسا أميني والمرتبطين بشرطة الأخلاق، على اللائحة السوداء للاتحاد. والمنتظر أن يفرض الاتحاد تجميد أصول الأشخاص والهيئات التي ستفرض عليها العقوبات، مع منعهم من الدخول إلى الأراضي الأوروبية.
ووفق ما تسرب من معلومات، فإن عدد هؤلاء الأشخاص والهيئات لا يرقى لمستوى وحجم العقوبات التي اتخذتها الولايات المتحدة وكندا. وبسبب حقوق الإنسان، يفرض الأوروبيون عقوبات على إيران منذ عام 2011، وقد اتخذت إجراءات عقابية إضافية في عام 2012، وهي صالحة حتى عام 2023. لكن لا يبدو أنها تخيف طهران أو تردعها عن مواصلة قمعها الأعمى لأي حركة احتجاجية.
الجديد اليوم، أن إيران قد تواجه عقوبات مزدوجة بسبب ملفين متداخلين: الأول بالطبع يتناول ملف حقوق الإنسان، والثاني يتناول تزويدها روسيا بمسيرات تقوم باستخدامها في حربها على أوكرانيا. ونقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن مسؤولين في باريس، تأكيدهما أن وزراء الخارجية سوف «يناقشون ملف نقل الطائرات المسيرة إلى روسيا من زاوية أنها تعد انتهاكاً لقرار منع تزويد روسيا بالأسلحة» . كما تستند الدعوى الأوروبية إلى أن «إيران تضرب بعرض الحائط مضمون القرار الدولي رقم 2231 الذي يمنعها من تصدير السلاح إلى أي جهة كانت». ويتضمن القرار المذكور قيوداً على الصواريخ والتقنيات ذات الصلة التي يستمر سريانها حتى أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وتشمل تصدير أو شراء أنظمة عسكرية متطورة. ويبدو مرجحاً أن يتوصل الوزراء الأوروبيون إلى اتفاق بشأن عقوبات مستقبلية على طهران؛ بمعنى أن التوصل إلى الاتفاق السياسي بين الوزراء الـ27، الاثنين، لا يعني حكماً فرض العقوبات الخاصة بالمسيرات التي ستأتي في مرحلة لاحقة.
وتدفع باريس وبرلين خصوصاً بهذا الاتجاه، علماً بأن لفرنسا مشكلة إضافية مع إيران تتصل بالمواطنين الفرنسيين الخمسة الذين تحتجزهم.
وطالبت وزيرة الخارجية كاثرين كولونا، الأسبوع المنتهي، نظيرها الإيراني بالإفراج عنهم فوراً. وما أثار حفيظة المسؤولين الفرنسيين، «اعترافات» سيسيل كوهلر وزوجها جاك باريس اللذين قالا إنهما ينتميان لجهاز المخابرات الخارجية الفرنسية، وأنهما قدما إلى طهران من أجل الضغط على الحكومة الإيرانية وحتى «قلب النظام». واعتبرت وزارة الخارجية «أن الاعترافات المزعومة انتزعت منهما بالإكراه».
في الأشهر الأخيرة، حرص الاتحاد الأوروبي (بموافقة أميركية) على تجنب الحديث عن فرض عقوبات على طهران؛ بسبب الرغبة في دفع الجانب الإيراني إلى الموافقة على الاتفاق الخاص ببرنامج طهران النووي. وبرز ذلك من خلال اجتماعات مجلس محافظي «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، حيث تجنب الغربيون التلويح بالعقوبات، أو بنقل الملف إلى مجلس الأمن الدولي. بيد أن الأمور تغيرت اليوم بعد أن تبين أن العودة إلى اتفاق 2015 مع بعض التعديلات، أصبحت بعيدة المنال، ما يشجع الغربيين، ومنهم الأوروبيون، على الذهاب إلى فرض عقوبات إضافية على طهران من دون تردد.