«قانون مخصصات الشهداء» سطو إسرائيلي مسلح على حقوق الشعب الفلسطيني..تقرير
أثار قرار الكنيست الإسرائيلي، في الثاني من الشهر الجاري، بخصم أموال رواتب عائلات الشهداء والأسرى الفلسطينيين من عائدات الضرائب الفلسطينية والتي تجبيها إسرائيل بموجب اتفاق باريس الاقتصادي، موجة غضب فلسطينية واسعة، كما ألقت بظلال قاتمة على مصير الاقتصاد الفلسطيني.
وكان أبلغ رد فعل حول القانون، ما صرح به النائب العربي في الكنيست، رئيس العربية للتغيير- القائمة المشتركة، أحمد الطيبي، معتبراً أنه "سطو مسلح وعملية سرقة تقوم بها الحكومة الإسرائيلية على حقوق الشعب الفلسطيني".
وأكد الطيبي، في خطابه أمام الهيئة العامة للكنيست، أنّ "الاحتلال هو الاحتلال، أنتم تقدسون أشخاصاً قاموا بذبح عائلات فلسطينية وأردنية مثل مئير هار تسيون، ونحن نعتبره قاتلاً وإرهابياً، وتدفعون لهذه العائلات مخصصات بطريقة غير مباشرة، وبالمقابل تطلقون على مناضلي وشهداء الشعب الفلسطيني بأنهم إرهابيون، وتقومون بسنّ هذا القانون وهو سطو مسلح على مخصصات الشعب الفلسطيني".
ومن شأن هذا القرار أن يؤدي إلى زيادة العجز المالي الذي تعاني منه الحكومة الفلسطينية، إلى جانب زيادة المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها العائلات المستفيدة من هذه المخصصات؛ حيث سيرتفع معدل الاقتطاعات الإسرائيلية من عائدات المقاصة إلى 220 مليون شيكل شهرياً (61 مليون دولار أميركي).
مصدر رزق وحيد
خليل حمدان، والد الشهيد محمد، والذي فقد ابنه البكر برصاص الاحتلال الإسرائيلي خلال انتفاضة الأقصى عام (2000)، يقول، إنه ومنذ استشهاد نجله، الذي كان يعتبر المعيل الأول للأسرة، وهو يعتاش على الراتب الشهري الذي تصرفه مؤسسة الشهداء والجرحى التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، لافتاً إلى أنّ ما تصرفه المؤسسة يعتبر "مصدر الرزق الوحيد للأسرة".
وأوضح حمدان لـ "حفريات"، أنّ الاحتلال الإسرائيلي يسعى "لتدمير العائلات الفلسطينية وزيادة معدلات الفقر بالمجتمع الفلسطيني من خلال هذا القرار، خاصة وأنه لا يوجد بيت فلسطيني إلا وقدم شهيداً أو أسيراً أو جريحاً".
من جانبه، قال الأسير المحرّر عبد الرحمن حمد، إنّ الاحتلال لم يكتفِ بحرمان الأسرى من حريتهم، بل ينغض عليهم حتى في لقمة عيش عائلاتهم، لافتاً إلى أنّ "إسرائيل تهدف إلى الضغط على كل المكونات الفلسطينية للنيل من الحقوق الأساسية للفلسطينيين".
وأكد حمد لـ"حفريات" أنّ نجاح المخطط الإسرائيلي مرهون بالموقف الفلسطيني الموحد، وموقف القيادة الفلسطينية في التصدي لكل المحاولات الإسرائيلية لنهب الحقوق الفلسطينية، والتوجه لكافة المنظمات الدولية لمحاسبة إسرائيل على جرائمها.
ويتيح القانون الإسرائيلي الجديد خصم مخصصات الأسرى والشهداء الفلسطينيين من الأموال المنقولة إلى السلطة الفلسطينية؛ حيث ينص القانون على قيام وزير الأمن الإسرائيلي بتقديم معطيات سنوية عن فاتورة الرواتب التي تحولها السلطة الفلسطينية إلى الأسرى وعائلات الشهداء الفلسطينيين، لخصم قيمتها من عائدات الضرائب الفلسطينية.
وقررت إسرائيل تحويل هذه الأموال إلى صندوق معد لهذا الغرض، يهدف إلى تمويل قضايا تعويضات ترفع ضد فلسطينيين من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة.
سرقة للأموال الفلسطينية
من ناحيته، قال الناطق باسم الحكومة الفلسطينية، يوسف المحمود، إنّ القانون الإسرائيلي يمثل "قرصنة وسرقة للأموال الفلسطينية"، مشدداً على أنّ القرار يستهدف الحقوق الفلسطينية.
وأكد المحمود لـ "حفريات" أنّ الحكومة ستلجأ للقضاء الدولي والفرنسي؛ حيث إنّ الحكومة الفرنسية هي الجهة التي رعت اتفاق باريس الاقتصادي الذي يمثل القانون انتهاكاً له.
وأضاف المتحدث باسم الحكومة الفلسطينية أنّ القانون "يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، ومخالفة لالتزامات إسرائيل للاتفاقيات الموقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية،" مطالباً المنظمات الدولية بالتحرك "لوقف السياسات الإسرائيلية الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية".
ودعا إلى ضرورة أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته تجاه القوانين العنصرية الإسرائيلية التي تنتهك بشكل فاضح كل القيم الإنسانية وكافة المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات الدولية ومبادئ حقوق الإنسان.
محاسبة إسرائيل أمام القضاء الفرنسي
وشدّد أستاذ القانون الدولي بجامعة النجاح في الضفة الغربية، باسل منصور، على أنه يمكن للقيادة الفلسطينية التوجه للقضاء الفرنسي لمحاسبة إسرائيل على جريمتها المتعلقة بخصم أموال المقاصة، مؤكداً أنّ الاتفاقية تسمح لإسرائيل بجمع الضرائب ونقلها لخزينة السلطة الفلسطينية دون التصرف بها.
وأوضح منصور، في تصريح لـ "حفريات"، أنّ "القانون الدولي يضمن للفلسطينيين التحرك على مستويات عدة، أبرزها اللجوء إلى الدولة راعية الاتفاق أو الطلب من الأمم المتحدة تشكيل محكمة دولية للنظر في القرار الإسرائيلي".
وأشار إلى أنّ الفلسطينيين يمكنهم التوجه للبرلمان الدولي وتقديم شكوى ضد الكنيست الإسرائيلي فيما يتعلق بالقانون العنصري، لافتاً إلى أنه "لا يمكن لمحكمة الجنايات الدولية النظر في القضية؛ لأنها تحاكم أشخاصاً ولا تحاكم دولاً".
وبيّن منصور: "بحسب القانون الدولي، أي إخلال بشروط الاتفاقية الدولية بين بلدين يؤدي إلى إلغاء الاتفاقية واعتبارها في حكم الباطلة، وبالتالي فإنّ القانون يُبطل الاتفاقية"، مشدداً على أنّ "القرار الإسرائيلي يعرّض كل الاتفاقيات بين إسرائيل ومنظمة التحرير للبطلان".
قطع كل الخطوط الحمراء
من ناحيته، قال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات إن "الحكومة الإسرائيلية، قطعت كل الخطوط الحمراء بقرار اقتطاع أموال الشعب الفلسطيني من الأسرى والجرحى والشهداء، وهذا لصوصية وقرصنة إسرائيلية".
وأضاف عريقات، في تصريحات صحفية، أنّ الحكومة الإسرائيلية، تواصل سرقة أراضي وأموال الشعب الفلسطيني، لافتاً إلى أنّ "القيادة الفلسطينية، بقيادة الرئيس محمود عباس، تدرس بجدية عالية جداً، تنفيذ قرارات المجلس الوطني الأخيرة".
وتابع: "ندرس تنفيذ القرارات المتعلقة بتحديد العلاقات الأمنية والسياسية والاقتصادية مع سلطة الاحتلال الإسرائيلي، بما يشمل تحميل سلطة الاحتلال الإسرائيلي مسؤولياتها كافة في الضفة والقدس وقطاع غزة"
وأشار عريقات إلى أنّ ما تقوم به إسرائيل، هو تدمير للسلطة الفلسطينية، والتي لا يمكن لها أن تستمر كسلطة بدون سلطة، وأن يستمر الاحتلال الإسرائيلي بدون كلفة. وأردف: "ذلك يعني الانتقال الفلسطيني من السلطة إلى الدولة، وهذا يتطلب تحقيق المصالحة الفلسطينية بشكل فوري".
وحول تأثيرات القرار على الأوضاع الاقتصادية، قال المحلل الاقتصادي أمين أبو عيشة إنّ "أموال المقاصة تشكل ما نسبته 60% من ميزانية السلطة الفلسطينية"، لافتاً إلى أنها "تعتمد على تلك الأموال بنسبة كبيرة في صرف رواتب الموظفين"
عجز إضافي بقيمة ملياري دولار
وأوضح أبو عيشة لـ "حفريات"، أنّ إسرائيل تقتطع ما يقارب ثلث أموال المقاصة، منوهاً إلى أنّ ذلك "سيزيد من حجم العجز الإضافي بقيمة ملياري دولار".
وأضاف أنّ القانون الجديد الذي صادق عليه الكنيست الإسرائيلي، سيؤدي إلى "عدم مقدرة السلطة على دفع رواتب كاملة للموظفين في الضفة الغربية أو قطاع غزة بنسبة كاملة، خاصة مع تقليص المساعدات الأجنبية، إضافة إلى انخفاض في الإرادات العامة بنسبة 30%"، مشدداً على أنّ ذلك يسارع في وتيرة "انهيار الاقتصاد الفلسطيني".
ونوه أبو عيشة، إلى ارتفاع معدل الديْن العام وعدم قدرة السلطة الفلسطينية، بعد هذا القرار، على الإيفاء بالتزاماتها الشهرية، كما أنّ ذلك سينعكس على الجانب الخدماتي للحكومة، ونقص التمويل الأجنبي والخصومات على أموال المقاصة، ما يمثّل ضرباً للاقتصاد الفلسطيني، ويؤدي إلى ضعف الاستثمار، وغياب القدرة الشرائية.
نقلا عن موقع حفريات