راديو

رئيس مجلس الإدارة
منال أيوب

رئيس التحرير
محمد الاصمعي

نسخة تجريبية

قصة الغرياني مفتي الدم..تقرير

يعتبره البعض تهديداً لـ"مدنية" الدولة الليبية، وتحديداً منذ إصدار المجلس الوطني الانتقالي المؤقت في شباط (فبراير) 2012 قانون دار الافتاء الذي نصّبه مفتياً لليبيا ومنحه صلاحيات غير مسبوقة وحصانة قضائية واحتكاراً للخطاب الإعلامي الديني في مجال الفتوى.

ورغم زعم الشيخ الصادق الغرياني عدم الانتماء إلى تيار الإسلام السياسي جماعة الإخوان إلا أنّه دعا في فترة الصمت الانتخابي قبيل أول انتخابات عامة تشهدها ليبيا في تموز (يوليو) 2012 الناخبين الليبيين إلى عدم التصويت لتحالف القوى الوطنية الذي فاز لاحقاً في الانتخابات، وأثارت تدخلاته العديدة لغطاً واسعاً بلغت ذروتها في أيار (مايو) 2014 عندما اصطف مع الجماعات المسلحة المتهمة بأنّها مدعومة قطرياً وأهدر دم قائد الجيش الوطني الليبي وجنوده إبان عملية الكرامة لتطهير مدينة بنغازي من الجماعات الإرهابية.

وهو ما دفع مجلس النواب الليبي في النهاية للتصويت بالأغلبية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 على إقالته وحل دار الإفتاء، وإحالة أعضائها للنائب العام، إذ وصف بعض أعضاء المجلس فتاوى الغرياني بأنّها داعمة للإرهاب، ويتحمل جزءاً كبيراً من مسؤولية استمرار تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية في البلاد بسبب انحيازاته التنظيمية المكشوفة.

هل هو صنيعة قطرية؟

يطلق بعض الليبيين صفة "مفتي قطر" على الغرياني، وذلك لدفاعه المستمر عن تدخل الدوحة في الشؤون الداخلية لليبيين، ودعمها اللامحدود للتيار الإسلاموي المتطرف.

بدأت قصة الغرياني مع قطر قبيل سقوط نظام الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي؛ حيث دفعت به ليكون الواجهة الدينية التي يُوفر غطاءً للجماعات المسلحة المتهمة بارتكاب جرائم عنف ضد المدنيين والجيش الليبي بذريعة حماية الثورة، وما صرّح به خلال هذا الأسبوع هو خير دليل على ذلك، فقد طالب في برنامج "الإسلام والحياة" الذي تبثه قناة التناصح التابعة له في طرابلس بمواجهة الجيش الليبي في درنة.

الغرياني المولود في العام 1942، هو من سكان منطقة تاجوراء في طرابلس، وتعود أصوله إلى قرية نطاطات قرب مدينة غريان في الجبل الغربي، وقد تخرج من جامعة محمد بن علي السنوسي كلية الشريعة العام 1969، في البيضاء، وقضى سنوات في التدريس والتعليم.

عقب توليته منصب الفتيا، أطلق أولى فتاواه، التي أثارت جدلاً واسعاً في حينها، وكانت حول الراعية له دولة قطر، التي تعتبر داعمه الأول، ووصف في آب (أغسطس) 2013 من "يتطاول" عليها، بأنّه "دون مرتبة الكلب"، وهو التصريح الذي تلقّفه الليبيون بسخرية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وانفجرت حوله النّكات والنوادر وصور الكاريكاتور.

كانت الدوحة في هذا الوقت تسعى إلى تواجد أذرع إعلامية في ليبيا منذ اندلاع أحداث 17 شباط (فبراير) 2011 تروج للسياسة القطرية التي لها أجندات ومصالح في ليبيا، فأقنعت الدوحة عدداً  من السياسيين والإعلاميين الليبيين بضرورة إطلاق عدد من وسائل الإعلام المسموعة والمرئية لنشر أفكارهم والترويج لها، والإشادة بالدور القطري في الأزمة الليبية، وتوجيه أبناء الشعب الليبي لدعم دورها، فمنحت الغرياني قناة فضائية تسمى "التناصح" تخصصت في التحريض على العنف ودعم توجه جماعات متهمة بالإرهاب وعلى رأسها أنصار الشريعة، وتبنيها الكامل للأجندات القطرية والتركية داخل ليبيا وخارجها.

في العام 2014 خصصت الدوحة له 7 ملايين دولار، ليدعم قناة "التناصح" التي يديرها قريبه سهيل الغرياني، ويعد عبدالباسط غويلة من أبرز المسؤولين الرسميين فيها، وهو الذي كان مساعداً لسلمان عبيدي، المسؤول عن الهجوم الإرهابي الذي وقع في ميدان مدينة مانشستر البريطانية في (مايو) 2017، وكان مركز دراسة الإرهاب في كندا، قد كشف في 2014 عن شريط فيديو ظهر فيه عبدالباسط غويلة، وهو يدعو عدداً كبيراً من المقاتلين الإرهابيين إلى المشاركة في القتال ضد قوات الجيش الوطني الليبي، وذلك عند انطلاق عملية فجر ليبيا الإرهابية.

يشرف الغرياني على القناة باعتبارها تنضوي تحت لواء ديوان الإفتاء بطرابلس، وبدءاً من العام 2014 أصبحت منصة لإصدار الفتاوى الشاذة، أهمها الفتوى التي سمح فيها لعناصر "الإخوان" باقتحام المدن والقرى الرافضة لفكر تنظيم الإخوان المسلمين، ودعا من خلالها الليبيين إلى التطوع للقتال في صفوف الجماعات التي تضم ما يعرف باسم "مجلس شورى ثوار بنغازي" الذي يضم "أنصار الشريعة" المصنَّف إرهابياً، وزعم فيها أنّ الحرب الدائرة في ليبيا هي حرب بين الإسلام والكفر.

وفي هذا السياق تصدّرت قناة التناصح قائمة القنوات الأكثر إخلالاً في تغطية النزاعات المسلحة لمصلحة الجماعات الإرهابية، فضلاً عن تكريسها خطاب الكراهية والتحريض على العنف والقتال، لذا صنفتها الدول العربية الداعية لمكافحة الإرهاب ضمن قائمة العناصر والكيانات الإرهابية.

استمرار التحريض

لم يتوقف الغرياني عن الدور المرسوم له، بدعوته الدائمة إلى حشد الدعم للجماعات المتهمة بالإرهاب مستخدماً فزاعة "عملاء الثورة المضادة" ونظرية "المؤامرة الكونية على الإسلام"، لإبراز المتطرفين في صورة المدافعين عن الثورة والدين.

ومع اقتراب الجيش بقيادة قائد الجيش الليبي من شنّ هجوم على مدينة درنة آخر معقل للمتطرفين شرق ليبيا، بدأ الغرياني حملة "لنصرة مجلس شورى المجاهدين" الذي يسيطر على المدينة، وهو تحالف لعدد من الفصائل المسلحة المقربة من فكر تنظيم القاعدة كأنصار الشريعة وجيش الإسلام وميليشيا شهداء بوسليم، وهاجم الجيش والدول التي تحارب الإرهاب في المنطقة، معتبراً أنّ "نصرة مجاهدي درنة واجب على كل الليبيين".

لم يتردّد الغرياني في نيسان (إبريل) الماضي في اعتبار مرض خليفة حفتر "عقابا إلهياً"، وقال "على من يتهمون أهل درنة بالإرهاب أن يروا مصير حفتر ومصرعه بأعينهم"، بل وصل به الأمر حد الترويج لوفاته، داعياً إلى أخذ العبرة من "مصير حفتر الذي أتاه الموت على عجل"، بحسب قوله، زاعماً أنّ قيادات الجيش منعوا حفتر من حقه، في أن يعرف الناس خبر موته، وأن يصلوا عليه!

ومنذ العام 2011 لم يتوقف عن تكرار دعوة أنصاره بشكل شبه يومي إلى قتال الليبيين المعارضين لحكم الإخوان، حتى عمت الفوضى البلاد، والخراب والتناحر، ففي العام 2012 أصدر المؤتمر الوطني العام القرار رقم 7 ، المشهور الخاص بمدينة بني وليد معقل قبيلة ورفلة، ولم يتأخّر الغرياني عن لعب دوره التحريضي بإسناده عبر "غطاء شرعي" لهذا القرار، الذي يعتبر أحد أهمّ الضربات التي هزّت وحدة النّسيج الاجتماعي الليبي.

وذهب الصادق الغرياني في إحدى دعواته المثيرة إلى دعوة أهل طرابلس إلى تقديم زوجاتهم لـ"مهاجري بنغازي"، حيث نقلت مصادر إعلام محليّة عنه خلال برنامج "الإسلام والحياة" بقناة التناصح، أذيع في 28 أيلول (سبتمبر) 2017، قوله "إن المهجّرين والنازحين من مدينة بنغازي هم غرباء ضعفاء مظلومون ومقهورون، يجب على أهلهم في طرابلس معاملتهم مثل معاملة الأنصار للمهاجرين الذين لم يبخلوا عليهم بشيء حتى بتزويجهم من نسائهم بعد تطليقهن".

ومن فتاواه التي تكشف انتماءاته الحقيقية عندما دعا الليبيين إلى التطوع لـ "الجهاد" في صفوف الجماعات الإرهابية التي تضم ما يعرف باسم "مجلس شورى ثوار بنغازي" قبل هزيمته، الذي يتألف من تنظيم أنصار الشريعة (حل نفسه) المصنف إرهابياً على الصعيدين؛ العربي والدولي، فضلاً عن أنه أشاد بحرب طرابلس العام 2014، التي دمر فيها مطار طرابلس وخزانات النفط.

صمت مريب

ليس غريباً أن يصدر كل ما سبق عن الغرياني، الذي يحذو حذو القرضاوي الذي يتفاخر دائماً أنه من تلاميذه، فضلاً عن تاريخه المريب الذي تلاحقه اتهامات بدعمه للمتطرفين لصالح آخرين، فقد نشر موقع (بي بي سي) في نيسان (إبريل) الماضي تقريراً، عن التبرعات النقدية التي قدمها الصادق الغرياني إلى أمناء مسجد في مدينة إكستر بمقاطعة ديفون البريطانية، واصفة في تقريرها إياه برجل الدين المثير للجدل، والداعم للمليشيات المرتبطة بتنظيم القاعدة.

التقرير ذكر أنّ الصادق الغرياني قدم ما مجموعه 250 ألف جنيه أسترليني، وذلك استناداً إلى عريضة وضعها أعضاء من المجتمع الإسلامي في مدينة إكستر على الإنترنت.

الجدير بالذكر أنه في العام 2015، وفي نفس العام، الذي كان فيه يقدم تبرعات للمسجد في مدينة إكسيتر، كان يشيد بعنف المقاتلين في ليبيا، في فيديو يظهر فيه وهو يقول: "أولئك الذين يموتون، يموتون في سبيل الله".

لكن الغريب كان التزام المبعوثين الأمميين إلى ليبيا وآخرهم مارتن كوبلر الصمت تجاه تجاوزات الغرياني، وتحريضه على ارتكاب أعمال عنف، رغم إصدار اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان التابعة لوزارة العدل الليبية في تشرين الأول (أكتوبر) 2015، بياناً أعلنت فيه أنّ "الغرياني مجرم حرب"، معتبرة أن حديثه وفتاواه يحرضان على العنف والقتل.

 

 

نقلا عن موقع حفريات

Login

Welcome! Login in to your account

Remember me Lost your password?

Don't have account. Register

Lost Password

Register