كل إقصاء وأنتم بخير!
بقلم د: ناجح إبراهيم
كلما حكم مصر فريق أبعد منافسيه السياسيين وأقصاهم من خارطة الحكم تماماً وشوه صورتهم وشن عليهم حملات التكفير السياسي أو الديني.. فعندما قامت ثورة 25 يناير ألغت الحزب الوطني تماماً وأدخلت الكثير من رجالات النظام السابق السجن وظهر شعار"أمسك فلول"و" امسك شرطي" إلي سماء مصر لتخلط البريء مع المسيء في تعميم بغيض يأباه العقل وترفضه الشريعة.. ولما عزل د/ مرسي إذا برجالات الحكم في عهده يتحولون من قصور الحكم إلي غياهب السجون مرة أخرى بتهم مضحكة قد تصلح لفترة الستينات ولكنها لا تصلح اليوم أبدا ً.. وإذا بمن عيّنهم الإخوان يعزلون جميعا من مناصبهم دون نظر فيمن يستحق العزل ومن لا يستحق لنكرر نفس الخطأ .. كل أمة تحكم تلعن أختها وتقصيها بجنون لا مثيل له .. الكل لا يريد أن يعترف بالكفاءة .. الكل يريد من يواليه ومن يتبعه .
أليس في كل حكم يأتي إلي مصر رجل رشيد يقول لأصحابه نبقى علي الكفاءات ونعزل ما سواهم ؟
أليس منهم من يقول"ما ذنب من تولى المنصب بحقه حتى يعزل هكذا ".. وما ذنب من عمل في الرئاسة مع د/ مرسي حتى تحدد إقامته أو يسجن.. ما ذنب رجل فاضل وعالم وسفير سابق مثل رفاعة الطهطاوي – حفيد أكبر من علم المصريين الحضارة والدساتير وجمع بين تعاليم الشريعة ومرونات العصر الحديث – حتى يسجن هكذا دون ذنب ولا تهمة .
لماذا يريد كل منا أن ينتقم من الآخر إذا تمكن منه .. أين معاني العفو والتسامح عند المقدرة .. لقد خوطب النبي في قرابة 19 آية قرآنية بالعفو عن الآخرين .. منها آيات رائعة تدعو للعفو حتى دون عتاب لأن العتاب يولد الجفاء ويضعف من قيمة العفو وأسماه القرآن "الصفح الجميل" وأمر نبيه الكريم به "فاصفح الصفح الجميل".
وكيف تحدد إقامة سيدة فاضلة مثل د/ باكينام.. قد نتفق علي ضعف أدائها السياسي .. لكنها في النهاية امرأة فاضلة وأم ساقتها أقدارها سوقا ً إلي نار السياسة التي تصلى القريب والبعيد.
ينبغي علينا أن نستحضر ونحن في السلطة لحظة زوالها عنا.. وطلبنا للرحمة من الآخرين.. فلنبذلها الآن حتى تبذل لنا في وقت ضعفنا .. ولندفعها للضعفاء في يوم قوتنا حتى تدفع لنا غدا في لحظات انكسارناً.
إننا أمة منكوبة بالإقصاء .. يأتي كل نائب عام فيقصي كل رجال من سبقه .. ويأتي كل حاكم جديد فيضيق علي القضاة الذين يخالفونه ويتوعدهم.
لقد ضحى بعض الليبراليين بمبادئهم وداسوها بأقدامهم حينما أعمتهم كراهية الإخوان.. فرضوا بهدم قواعد الليبرالية .. ورضوا بسجن السياسيين من خصومهم .. واشتط بعضهم بطلبهم فض اعتصام رابعة بالقوة دون اعتبار لحرمة الدماء المعصومة التي ستسيل كالأنهار في شهر الصيام عن المباح .. ناسين أنهار الأحقاد والكراهية وموجات التكفير التي قد تنتج عن هذه الدماء .. فضلا ً عن نوبات اليأس والقنوط من التغيير السلمي الديمقراطي والاتجاه إلي العنف والعنف المضاد في الشباب الجديد .
ويشتط البعض حينما يطالب في صفاقة بإسقاط الجنسية المصرية عن عالم جليل عظيم مثل د/ القرضاوي لفكر أو رأي سياسي رآه قد تتفق أو تختلف معه .
نحن نعيش زمن الحمق والعجلة والإقصاء والتفكير الأهوج.. ويبدو أنه لا أمل في أن نتشارك سوياً في الحكم دون أن يكون الآخرون في السجن.
مشكلتنا الأزلية غياب الحكمة والعقل.. فالبعض دفع د/ مرسي إلي الرئاسة دفعاً دون أي يتأهل لها فظلمه.. والبعض الآخر دفعه للسجن بتهم ظالمة وغبية.. فليس من العقل ولا الحكمة محاكمة د/ مرسي أصلاً.. أما الجنون بعينه فهو اتهامه بالتخابر مع حماس أوغيرها .
نعم حماس غير مصر.. ولا ينبغي التداخل المخل بينها وبين الدولة المصرية دون ضوابط..فهذا لا يحدث حتى بين الحركات الإسلامية المصرية.. ولكن من العار أيضا ً اتهام د/ مرسي بهذا الاتهام.
ومن الجنون رغبة البعض في حبس د/قنديل .. فأين الاعتدال والوسطية .. البعض جعله دون استحقاق رئيساً للوزراء .. والآخر يريده في السجن.. أليس هناك مكان وسط يليق به مثل أن يكون وزيراً في تخصصه.. متى نعدل مع الناس فلا نعطيهم فوق حقهم أو نبخسهم حقهم ؟!