لا للإقصاء
بقلم: عماد عنان
بالرغم من سوداوية المشهد السياسي ، وضبابية الرؤى المتناحرة ، وغياب الأرضية المشتركة من إعلاء المصلحة العامة وتغليب الكيان الوطني على الأهواء الفئوية والحزبية ، إلا أن الأمر ما عاد يحتمل مزيدا من الصمت ، ولا الانزواء خلف أقنعة الحكمة والتزام الهدوء والبعد عن الفتنة ، فما نحن فيه أشر فتنة قد تعترض طريق مصرنا وامتنا . انقسم المشهد السياسي إلى قسمين ، كلاهما متطرف في رؤيته ، كلاهما يرى بعين واحدة ، ويفكر بنصف عقل، قسم أقصى اليمين ارتأى لنفسه الوطنية وأنكرها على غيره ، منح نفسه سلطات خليفة الله على أرضه، وبين شعبه، فكان من وجهة نظره ومؤيديه هو الممثل الأوحد للإسلام ، وحامل لواء الدفاع عن مستقبل الدعوة ، وماسواه كفار علمانيين لايشرف الإسلام بهم ، ولاستحقوا أن يحيوا فوق أرضه . أما القسم الآخر ، فارتأي لنفسه أن يكون الممثل الوحيد لهذا الشعب ، وحده من يملك الوسطية والاعتدال ، وحده من يرى في نفسه حب الوطن والعمل لمصلحته، وماسواه هم المتطرفون الإرهابيون، ولاحق لهم في العيش ، ماسواه لابد من إقصائه عن المشهد بصورة كاملة، فالمواطنة حكر عليهم دون غيرهم.
ومابين أقصى اليمين وأقصى اليسار يقع المواطن المصري حائرا بين فكر وفكر ، وبين عقل وعقل، إلى أيهما يستأثر فيسير، والى أي الطرفين يتم شراءه فيباع، وفي ظل هذا الضباب الفكري يطرح الجسد المصري لمزاد بخس من قبل بعض المنتفعين من التيارين ممن لاهم لهم سوى المصالح الشخصية حتى وإن كان المقابل هو " الوطن " . تحولت المنافسة السياسية إلى صراع غير أخلاقي ، وانزوى الجميع خلف أقنعة ساقطة، كل يسعى لأجل مصلحته الشخصية ، والجميع بلا استثناء لديه قناعات واستعداد مطلق لآن يتحالف مع الشيطان ضد الفصيل الآخر مهما كانت النتيجة ، فالإسلاميون لايجدون أي مشكلة مطلقا في التحالف مع العسكر طالما أن هذا يعود بالنفع عليهم، والمدنيون لايرون غضاضة في وضع أيديهم بأيدي الفلول لانتشال الدولة من كنف الإسلاميين ، ثم تتبدل الأماكن وتتغير الرؤي ، فحلفاء الأمس أعداء اليوم ، وأعداء الأمس حلفاء اليوم ، ولازال كل فصيل متوهم أنه الأصلح ، وأنه صاحب مبادئ لايمكن أن تتجزأ أو تتغير مهما تغيرت أوراق اللعبة . لازال استغفال الشعب واستعباط المواطن سياسة تنتهجها كل الفصائل بلا استثناء ، يدعمها اله إعلامية مضللة ، وقطيع من المواطنين سهل شراؤهم بالمال ، وكل يغني على ليلاه ، ومصر فقط من تدفع الثمن . كم نحن بحاجة أن نبصر بالعين الأخرى ، وأن نعيد تشغيل نصف العقل المعطل لدينا ، وأن نؤمن من جديد بفكر " قبول الآخر " فلا نرى في أنفسنا الصلاح ودوننا الفساد ، ولا نثبت لنا الوطنية وننكرها على غيرنا ، فمصر وطننا جميعا ، وطن الإخوان والسلفيين
والمسيحيين والليبراليين والعلمانيين بل حتى وطن الكفار إذا ماكان في مصر كفار . " قبول الآخر " تلك الكلمة المعبرة ، تلك الكلمة التي نحتاج إليها في هذه الأيام ، على الجميع أن يقبل الآخر ، وأن يحترم رأيه ، وأن يؤمن أن الحقيقة لها أكثر من وجه ، وقد يكون الجميع على حق وإن اختلفت رؤيتهم ، وقد يكون الجميع على باطل وإن توحدت أفكارهم. للحقيقة وجوه كثيرة ، وفي السياسة ليس هناك حق وباطل ، أو صحيح وخطأ ، هي وجهات نظر ، كل له رؤيته ، وكل له قناعته ، وكل صائب من وجهة نظره، فتعالوا نجلس جميعا ، يقبل بعضنا بعضا، نطرح الرؤى من وجهاتها المختلفة، ونحاول أن نبتعد قليلا إلى الوراء حتى نرى المشهد بصورة أكثر حيادية وموضوعية وشمولية ، وقتها فقط سنعلم كم أضعنا حق هذا الوطن ، وكم تجنينا عليه ، وكم أخطأنا حين توهم كل منا أنه الأفضل، وأنه الأصلح. مصر بلد للجميع ، مصر وطن يستوعب الجميع ، لا إقصاء ، ولا تشفي ، ولا انتقام، نريد مصر للكل ، لانريدها مقسمة ، الآن علينا أن نعي هذا الدرس قبل أن نتحول إلى عراق جديد ..الآن وليس غدا …