ماذا بعد رمضان ؟
وللعيد فرحة ببلوغ شهر رمضان يوم انقضت أعمارٌ عن بلوغه، وفرحٌ بتوفيق الله وعونه على ما يسر من طاعته، فقد كانت تلك الأيام الغرّ والليالي الزُّهْر متنزل الرحمات والنفحات، اصطفت فيها جموع المسلمين في سبْحٍ طويل تُقطعُ الليل تسبيحًا وقرآنًا، فكم تلجلجت الدعوات في الحناجر! وترقرقت الدموع في المحاجر! وشفت النفوس ورقت حتى كأنما يعرج بها إلى السماء تعيش مع الملائكة، وتنظر إلى الجنة والنار رأي عين، في نعمة ونعيم لا يعرف مذاقها إلا من ذاقها. فحُقَّ لتلك النفوس أن تفرح بعدُ بنعمة الله بهذا الفيض الإيماني الغامر.
وللعيد فرحة بإكمال العدة واستيفاء الشهر، وبلوغ يوم الفطر بعد إتمام شهر الصوم، فلله الحمد على ما وهب وأعطى، وامتن وأكرم، ولله الحمد على فضله العميم ورحمته الواسعة {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58].
فهذا العيد موسم الفضل والرحمة، وبهما يكون الفرح ويظهر السرور، قال العلماء: "إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين". وشرع النبي وتقريره إظهار الفرح وإعلان السرور في الأعياد، قال أنس : "قدم رسول الله المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: إن الله أبدلكم بهما خيرًا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر".
منذ أيام كنا نستقبل شهر رمضان الكريم، ونستعد له ونتهيأ لاستقبال نفحات الرحمن لنا..
وها نحن نودعه وقد انتهى شهر رمضان، ومع انقضاء هذا الشهر العظيم يتبادر إلى الذهن ماذا بعد رمضان؟
فنحن جميعًا في حاجة إلى أن يستمر حالنا هذا طوال العام على نفس النهج الذي كنا عليه في رمضان، ولئن كان شهر رمضان المبارك قد انتهى، فإن عمل المسلم لا ينتهي إلا بمفارقة روحه بدنه..
قال عز وجل لنبيه : {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]. وقال سبحانه قبل عن عيسى عليه السلام: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 31].
وذكر لبعض السلف أناسًا يجتهدون في رمضان، ثم يتركون ذلك بعده، فقال: بئس القوم لا يعرفون الله تعالى إلا في رمضان!!
لقد انقضى شهر رمضان بأيامه ولياليه ودقائقه وثوانيه، ولئن كان ذلك الشهر موسمًا عظيمًا من مواسم الخير والطاعة، فإن الزمان كله فرصة للخير والتزود للدار الآخرة، وليست العبادة خاصة بشهر رمضان، بل الحياة كلها عبادة، قال الله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99؛{
ولا تنس صيام ستة أيام من شوال؛ فعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِي اللَّه عَنْه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّال كَانَ كَصِيَام ِ الدَّهْر" (صحيح مسلم(
الله تعالى أسأل أن يتقبل منا ما كان من صيام وقيام وركوع وسجود ودعاء وذكر وقراءة للقرآن، وأعاد علينا رمضان أعوامًا عديدة وأزمنة مديدة..
واجعلنا من الذين أعتقتهم من النيران في شهر رمضان..
ودعنا شهر رمضان ومضى وصرنا مرتهنين بما أودعناه من خير أو شر.
– فهل تخرجنا من هذا الشهر العظيم بوسام التقوى؟
– هل عودنا أنفسنا على الصبر والمصابرة، ومجاهدة النفس على فعل الطاعة وترك المعصية ابتغاء رضوان الله فانتصرنا عليها، وكبحنا جماحها فصارت نفوسًا مستسلمة لله رب العالمين؟
– هل رحمنا الفقير فواسيناه بعدما ذقنا شيئًا مما يذوقه من الجوع والعطش؟
– هل ربينا فيه أنفسنا على الجهاد بأنواعه وهل جاهدنا أنفسنا وشهواتنا وانتصرنا عليها؟ أم غلبتنا العادات والتقاليد السيئة؟ هل سعينا إلى العمل بأسباب الرحمة والمغفرة والعتق من النار؟
– هل نقينا قلوبنا من الغل والحسد والبغضاء والشحناء لإخواننا المسلمين، وفتحنا معهم صفحات بيضاء ملؤها المحبة والتواصل والرأفة والمواساة؟
– هل وهل وهل…؟ أسئلة كثيرة تحتاج منا إلى جواب (عملي(